الروح القدس يعمل في الجميع.يعمل فينا وبنا,ويبقي أن نعمل نحن معه.الروح القدس في سر المعمودية منحنا نعما كثيرة,منها التجديد والتبرير والولادة الجديدة.
ولكن نعم الروح القدس لم تسلبنا مطلقا نعمة الحرية: فنحن أحرار نقبل الروح القدس فينا أو لا نقبل,نقبل الشركة معه أو نرفض ذلك,وفي هذه النقطة بالذات يبدو الخلاف بين القديسين والخطاة,الروح القدس يتقدم ليعمل في كليهما.والأبرار هم الذين يقبلون الشركة معه,من أجل خلاصهم وخلاص الآخرين أيضا.
وكل عمل يرون أن الروح القدس لا يشترك معهم فيه,يرفضونه تماما.
وهكذا لا يعملون أي عمل بمفردهم,بل بشركة روح الله معهم.كما نصلي في الكنيسة قائلين:اشترك في العمل مع عبيدك,في كل عمل صالح.ونتيجة لهذا,تصبح حياتهم كلها حياة روحية:صلواتهم صلوات روحية وخدمتهم خدمة روحية,وحلهم للمشاكل يكون بحلول روحية,وتصرفاتهم روحية,وأهدافهم أهداف روحية,ومحبتهم للآخرين محبة روحية.الروح القدس العامل فيها يعطي كل أعمالهم طابعا روحيا...
عليك إذن أن تراجع كل أعمالك وتفحصها,لتري هل اشترك فيها معك روح الله القدوس.
وتقول للروح القدس في صلواتك:أنا يارب أريد أن أعمل معك وتعمل معي.لا أريد أن أفارقك أو تفارقني.الأعمال التي لا توافق عليها,أعطني القوة أن أرفضها وأبعد عنها.ما الفائدة أن أكون هيكلا للروح القدس,وأنا لا أشترك مع الروح القدس في العمل.
حتي ونحن في حالة الخطية,نطلب الروح القدس لكي يساعدنا علي التوبة:
إنسان خاطئ يقول:أنا قررت أن أتوب.أنا عاهدت الله أن أتوب...حسنة يا أخي هي نيتك الطيبة...ولكن الوصول إلي التوبة,لا يتم بمجرد قرارتك وتعهداتك,ولا بمجرد ما تضعه لنفسك من تداريب روحية.وإنما توبتك تأتي بعمل الروح القدس فيك.كما يقول الكتابتوبني يارب فأتوب(أر31:18).
ولنضع أمامنا كمثال صلوات داود النبي لأجل التوبة:
ولنسمعه في المزمور الخمسين وهو يقولانضح علي بزوفاك فأطهر.اغسلني فأبيض أكثر من الثلج.ولم يقل أنا يارب سوف أتوب,وإنما أنت الذي تطهرني وتغسلني.وهكذا يقول أيضااغسلني كثيرا من إثمي,ومن خطيئتي تطهرني.أنا عارف بإثمي,وخطيتي أمامي في كل حين.ولكن أنت يارب الذي تغسلني منها وتطهرني لأني لا استطيع بضعفي أن أطهر منها.وعندما تسألني يارب:أتريد أن تطهر.أجبتك نعم ولكن...
الإرادة حاضرة عندي,ولكن أن أفعل الحسني لست أجد(رو7:18).
فأناأري ناموسا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني,ويسبيني إلي ناموس الخطيةلأني لست أفعل الصالح الذي أريده.بل الشر الذي لست أريده,إياه أفعلويحي أنا الإنسان الشقي(رو7:23, 19).إذن إرادتي وحدها لا تكفي.وبدونك يارب لا أستطيع أن أفعل شيئا(يو15:5).
إن لم ينتشلني روحك القدوس,فلن أستطيع أن أتوب..
أنا يارب مثل ذلك المريض الذي مرت عليه38سنة,لا يجد إنسانا يحمله ليلقيه في البركة ليبرأ(يو5:7).أو أنا مثل بطرس الذي إن لم تمسك به يدك,لا يستطيع أن يمشي فوق الماء(مت14:30).هدفي في التوبة هو أنت.ووسيلتي في التوبة هي أنت.روحك القدوس هو الذي يبكتني علي الخطية(يو16:
.لأن تبكيتي لنفسي أضعف من أن يقودني إلي التوبة,الروح القدس هو القوي والمؤثر.
وأيضا روحك هو المرشد في الطريق الروحي.
هو الذي يستنير به ضميري,وتقوي خطواتي.وإن لم أسترشد به سأضل.
عيبنا الأول في حياتنا الروحية.أننا نعتمد علي أنفسنا,وليس علي روح الله.بينما الكتاب يقولوعلي فهمك لا تعتمد(أم3:5).
نحن لا نتوب,لأننا لم نطلب من روح الله معونة لتوبتنا.
كذلك خدمتنا لا تنجح,إن لم يعمل روح الله فيها.فالخدمة ليست مجرد حكمة بشرية,ونجاحها لا يتوقف علي الذراع البشري.إنما تنجح الخدمة إن كانت شركة مع الروح القدس.نذكر فيها باستمرار قول المزمور:
إن لم يبن الرب البيت,فباطلا تعب البناءون(مز127:1).
ولهذا في الكنيسة أيام الرسل,كان يشترط حتي في الشماس أن يكون مملوءا من الروح القدس(أع6:3).لأن الروح القدس هو الذي سيعمل في خدمته,وليس مجرد مجهوده البشري.ولهذا نجحت الخدمة تماما لأن روح الله,هو الذي كان يعمل من خلال الخدام,الذين كانوا مجرد أدوات في يديه.
إذن من جهتنا لابد أن نقبل روح الله,ونشترك معه,وننمو في هذه الشركة.ولكن إلي أي مدي؟
يقول الكتابامتلئوا بالروح(أف5:18).
ويحكي لنا الكتاب أمثلة من حالات الامتلاء بالروح القدس,لعل من أشهرها بيت زكريا الكاهن:فقد امتلأت اليصابات زوجته بالروح القدس(لو1:41)وزكريا أيضا امتلأ بالروح القدس(لو1:67).وابنهما يوحنا من بطن أمه امتلأ من الروح القدس(لو1:15).وفي يوم الخمسينامتلأ الجميع من الروح القدس(أع2:4).
وقيل عن المجتمعين للصلاةولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه,وامتلأ الجميع من الروح القدس(أع4:31).ولما وقف بطرس أمام رؤساء الكهنة,قيل عنه إنهامتلأ من الروح القدس وقال لهم...(أع4:
.كذلك أسطفانوس الشماس(أع7:55).وشاول الطرسوسي(أع9:17, 13:9).
ونسمع يوحنا الحبيب في رؤياه يقولكنت في الروح في يوم الرب(رؤ1:10).
ولما رأي العرش الإلهي قال قبلهاوللوقت صرت في الروح(رؤ4:2).
إن كان مطلوبا منا أن نمتلئ بالروح,فالمفروض أن نعد أنفسنا لذلك..
نسير في الخطوات الروحية التي تجعلنا مستحقين لهذه النعمة.وتكون قلوبنا مستعدة في كل حين لعمل الروح فينا.وأول الخطوات أن تكون لنا الحياة الروحية والسلوك بالروح.كما قال الرسولاسلكوا بالروح,فلا تكملوا شهوة الجسد(غل5:16).وإن بدأنا بذلك,نستمر فيه.ولا نكون كالغلاطيين الذين وبخهم الرسول قائلاأبعد ما ابتدأتم بالروح تكملون بالجسد؟!(غل3:3).ثم ننمو في الحياة بالروح...
ونبعد عن كل ما يحزن روح الله,أو يطفئ الروح فينا,ولا نقاوم الروح القدس...
وقد قال الرسول في كل ذلكلا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم(أف4:30).وقال أيضالا تطفئوا الروح(اتس5:19).وقد وبخ القديس أسطفانوس اليهود قائلا:يا قساة الرقاب...أنتم دائما تقاومون الروح القدس.كما كان آباؤكم,كذلك أنتم(أع7:51).
الروح القدس مستعد أن يعمل فينا.ولكننا نحزنه,حينما نرفض عمله,ونرفض الشركة معه,وبهذا نسقط في الخطية.والروح القدس باستمرار يهبنا حرارة روحية.
ولكننا بتهاوننا وإهمالنا,نطفئ حرارة الروح فينا.والروح القدس يدعونا دائما إلي حياة القداسة,ولكننا نقاوم عمله فينا وربما في الآخرين أيضا.
إننا إن اشتركنا مع الروح القدس,تكون لذلك نتائج واضحة في حياتنا.
لعل أبرزها ما قاله الرب في سفر حزقيال النبيأعطيكم قلبا جديدا,وأجعل روحا جديدا في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم.وأعطيكم قلب لحم.وأجعل روحي في داخلكم.وأجعلكم تسلكون في فرائضي,وتحفظون أحكامي وتعملون بها(حز36:26, 27).
فهل تشعر في داخلك أن روح الله قد غير حياتك ومشاعرك وأعطاك قلبا جديدا.ومنحك السهولة التي تسلك بها في وصاياه وتحفظ أحكامه..؟
*ومن علامات عمل الروح فينا,أن نكونحارين في الروح(رو12:11).
لأن روح الله عندما يحل في الإنسان يشعله بالحرارة,كما ألهب الرسل عندما حل عليهم في يوم الخمسين(أع2)علي هيئة السنة من نار.وتحول العالم المسيحي كله إلي شعلة من نار,وفي الخدمة والكرازة.في الغيرة والحماس,في المحبة التي شبهها الكتاب بالنار وقالإن مياها كثيرة لا تستطيع أن تطفئها(نش8:7).
إذا دخل روح الله في قلبك,ينطبق عليك قول المزمورغيرة بيتك أكلتني(مز119).وتشمل الحرارة كل حياتك الروحية.وإذا لم تشترك مع عمل الروح فيك,تصاب بالفتور.ولهذا يأمرنا الرسول قائلا:لا تطفئوا الروح(1تس5:19).أي احتفظوا بحرارة الروح دائما فيكم.وكونوا كذبيحة المحرقة,تشتعل فيها النار باستمرار نار دائمة لا تطفأ(لا6:12, 13).
هل تسلمت من الروح هذه النار المقدسة,وهل توقدها باستمرار في قلبك؟
كما قيل عن ذبيحة المحرقةويشعل عليها الكاهن حطبا كل صباح...(لا6:12).هل تشعل محبة الله في قلبك بمزاميز وتسابيح وأغان روحية,مترنما ومرتلا في قلبك للرب(أف4:19).بقراءات روحية من النوع الذي يلهب مشاعرك الروحية؟
أنت هيكل الله,وينبغي أن تكون النار المقدسة في الهيكل باستمرار:
السيدة العذراء شبهت بالمجمرة الذهبية,شورية هارون,لأن الروح القدس حل عليها كجمر نار...
فهل الروح القدس أشعل فحماتك السوداء,فالتهبت وصاحت في فرحأنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم(نش1:5).إن النار منحت الفحم توهجا,فصار جمرا ونسي طبيعته السوداء إذ صار نارا,لها حرارة ونور.إن تقبلت حرارة الروح القدس,فسوف تحرق فيك كل رغبة عالمية خاطئة,وتصبح حارا في روحياتك.وماذا أيضا:
*روح الله هو روح القداسة.إن حل فيك,واشتركت في العمل معه,يمنحك القداسة:
ما دمت تنقاد بروح الله(رو8:14),ولا تحزن روح الله بانحراف إرادتك عن توجيهه(أف4:30),فهل أنت تحيا حياة القداسة,التي بدونها لا يعاين أحد الرب؟!أم أنت ترفض عمل روح الله فيك,تقاوم الروح؟وما نهاية مقاومتك هذه؟
إن كنت بسكني الروح القدس فيك,قد صرت هيكلا لله,فاذكر قول المرتل في المزمورببيتك تليق القداسة يارب(مز93:5).
واذكر قول الكتابنظير القدوس الذي دعاكم,كونوا أنتم أيضا قديسين في كل سيرة.لأنه مكتوب:كونوا قديسين لأني أنا قدوس(1بط1:15, 16).
*وإن اشتركت مع الروح القدس في العمل,ستكون قويا في كل شئ.
فهكذا وعد الرب تلاميذه القديسين قائلا:ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم.وحينئذ تكونون لي شهودا(أع1:
.والإنسان القوي ينتصر علي كل فكر خاطئ,وعلي كل رغبة غير مقدسة ويكون أيضا قويا في خدمته,وقويا في تأثيره علي الآخرين.وتصبح القوة صفة مميزة لشخصيته في كل عمل صالح فهل تشعر بهذه القوة,قوة عمل الله فيك؟إن كنت ضعيفا في روحياتك,فأعلم أنك لم تشترك مع روح الله..
*وإن دخلت في شركة الروح,فهو يمنحك المحبة الحقيقية.
هذه المحبة التي قال عنها الرسول...محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا(رو5:5),وهكذا تحب الله من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل نفسك(مت22:37),وتحب أيضا قريبك كنفسك.
وبهذه المحبة الإلهية التي من الروح,ترتفع عن مستوي الخوف,وتثبت في الله,والله فيك,لأن الله محبة(1يو4:18, 16).
وبروح الله العامل فيك,وبالمحبة التي سكبها في قلبك,يمكنك أن تربح كثيرين للرب.وكل من يتعامل معك,يقول حقا هذا الإنسان فيه روح الله...