تحدثنا كثيرا عن كيف تحب الله,وبقي أن نذكر ما هي علامات هذه المحبة,وما نتائجها في حياتك؟
العلامة الكبري هي أن محبة الله في قلبك,تنسيك كل شيء,فلا تشعر بلذة شيء سواه.
كل ملاذ العالم تبدو بلا طعم لمن ذاق محبة الله.
يبدو كل شيء تافها وضئيلا,كما قال سليمان الحكيمالكل باطل وقبض الريحجا1:.
وهكذا كلما تنمو في محبة الله,علي هذا القدر تزهد مغريات العالم كلها,وتردد مع القديس بولس الرسول خسرت كل الأشياء,وأنا أحسبها نفاية ,لكي أربح المسيح,وأوجد فيهفي3:9,8.
تصوروا إنسانا نال درجة الدكتوراه في الرياضيات,أتراه يجد لذة في مراجعة مباديء علم الحساب والجمع والطرح؟!أم هذه الأمور تبدو تافهة جدا في نظره,لايفكر فيها!هكذا أمور العالم بالنسبة إلي من امتلأ بمحبة الله...
بل الإنسان الذي انشغل بمحبة الله,ينسي حتي نفسه في هذه المحبة...لايشعر بوجودها,بل بوجود الله فيه...
وهكذا يقول مع بولس الرسولأحيا لا أنا,بل المسيح يحيا فيغل2:20.عجيبة حقا هذه العبارةلا أنا....هنا إنكار الذات في أعمق صوره....هناك من ينكر ذاته في محبة الله...وأن وجد ذاته,يجدها في الله,مثل الغصن الذي في الكرمة.إنه يحيا طالما هو ثابت في الكرمة ,تسري فيه عصارتهايو15.
وهنا بالمحبة يصل إلي الثبات في الله...
كما قال الرب نفسهأنا الكرمة وأنتم الأغصان.الذي يثبت في وأنا فيه,هذا يأتي بثمر كثير يو15:5 وكيف نثبت فيه؟ لقد شرح ذلك بقوله اثبتوا في محبتييو15:9وعلامة ثباتنا في محبته,أن نثبت في كلامه,في وصاياه وقد قال في ذلكإن حفظتم وصاياي,تثبتون في محبتييو15:10
محبة الله,ليست مجرد مشاعر مبهمة,بلا ثمر إنما تظهر محبتنا لله بحفظنا لوصاياه.
وعن هذا الأمر يتحدث القديس يوحنا الحبيب بوضوح تام,فيقولبهذا نعرف أننا قد عرفناه,إن حفظنا وصاياه.من قال قد عرفته,وهو لايحفظ وصاياه , فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته, فحقا في هذا قد تكملت محبة الله1يو2:3-5إلي أن يقولفإن هذه هي محبة الله,أن نحفظ وصاياه 1يو5:3.
وهذاواضح جدا.لأن الذي يكسر وصاياه,لايمكن أن يكون محبا له.إنما هو إنسان متمرد عليه,أو هو شخص يخون الله,وينضم إلي مقاوميه. فحفظ الوصايا علامة أساسية لمن يحبون الله.كما أن الابن الذي يحب أباه بالجسد, يطيع وصاياه.
علي أن الثبات في الله,له معني آخرأعمق
الغصن حينما يثبت في الكرمة,يشعر أنه أحد أعضاء هذه الكرمة,هكذا أنت إن كنت ثابتا في الرب,تشعر أنك عضو في جسد المسيح...حقا أن هذا السر عظيم1ف5:23.
لماذا إذن تشعر بالغربة عن الله...وتقول مثل عذراء النشيد في وقت بعدها عنهلماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابكنش1:7.
إنك يا أخي, لست غريبا عن الله.وليس الله غريبا عنك.
أنت في قلبه, وهو في قلبك.أنت فيه,وهو فيك.أنت فيه كالغصن في الكرمة.وهو فيك لأنك هيكل لروحه القدوس,وروحه القدوس يسكن فيك 1كو3:16.وقد قال أيضا عن سكناه هو والآب فيكإن أحبني أحد,يحفظ كلامي.ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلايو14:23
بل يقول أيضاحيث أكون أنا,تكونون أنتم أيضايو14:3إنه يعتبرنا إخوته,ويعتبرنا كشخصه ولذلك حينما اضطهدت الكنيسة من شاول الطرسوسي,قال له الرب لماذا تضطهدني؟!أع9:4...معتبرا اضطهاد الكنيسة اضطهادا له هو.وقال في مناسبة أخريمهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر,فبي قد فعلتممت5:40.
من علامات محبتنا لله:التصاق نفوسنا به.
وفي ذلك يقول داود النبي في المزموروأما أنا فخير لي الالتصاق بالربمز73:28وقال أيضاالتصقت نفسي بك.يمينك تعضدنيمز63:8.
أن التصقنا بالله,نبعد تلقائيا عن الخطية,بل نكرهها,ولاتتفق مع طبيعتنا,لأنهلاشركة للنور مع الظلمة2كو6:14.والذي يلتصق بالله,لايمل من الحديث معه.بل يقول له مع داودالتحقت نفسي وراءك عطشت نفسي إليك مز63:1 إنه يفرح بالوجود في حضرة الله,كما قالت عذراء النشيدنبتهج ونفرح بك...بالحق يحبونكلأن حبك أطيب من الخمرنش1:2,4.
ومن أجل الفرح بالوجود مع الله,ترك آباؤنا الرهبان كل شيء ,لكي ينفردوا في البرية مع الله الذي أحبوه...
أما أنت,إن كنت تسأم من الصلاة بسرعة,وتحب أن تختمها,فاعلم أنك لم تصل إلي محبة الله بعد.
آباؤنا الشهداء القديسون في وقت استشهادهم: كانت مشاعر حبهم لله هي التي تملك علي قلوبهم,أكثر بكثير من شعورهم بالألم.لذلك احتملوا العذابات,بل أحبوها لأنها ستقربهم إلي الوجود الدائم مع الله.
من علامات المحبة لله أيضا,أن الذي يحب الله,يحب كل مايتعلق بالله..
يحب كنيسته ويقولمساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلي ديار الربمز84:1واحدة طلبت من الرب وإياها ألتمس, أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلي جمال الرب,وأتغرس في هيكله مز27:4 طوبي لكل السكان في بيتك, يباركونك إلي الأبد مز84:4.
يحب كلام الله شريعته,ناموسه ,وصاياه.ويقول :وجدت كلامك كالشهد فأكلته بل هو أحلي من العسل والشهد في فمي مز119 ناموسك هو تلاوتي شريعتك هي لهجي هي لذتي فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة سراج لرجلي كلامك, ونور لسبيلي مز119الذي يحب الله, يحب أيضا سماءه وقديسيه وملكوته.
الذي يحب الله,تقوده العاطفة في كل ممارساته الروحية:
هو من أجل الله يقرأ ومن أجل المتعة به يصلي من أجل الله يخدم.بل من أجل اللقاء به والتمتع بأسراره المحيية,يدخل إلي الكنيسة.ومن أجله يحضر الاجتماعات الروحية.ومن أجله يجلس مع الناس من أجله يتكلم لكي يحدث الناس عنه.ومن أجله يصمت ليتأمل ضفاته الجميلة.بل من أجله يحيا لكي يخدمه وينشر اسمه.ومن أجله يموت لكي يلتقي به في الفردوس ثم في الملكوت..قائلا في كل ذلك مع بولس الرسولإن عشنا فللرب نعيش إن متنا فللرب نموت.إن عشنا أو متنا فللرب نحنرو14:8.
الذي يحب الله,قد ارتفع عن المصارعة ضد الخطية:
إن عبارةالجسد يشتهي ضد الروح,والروح ضد الجسد.وهذان يقاوم أحدهما الآخرغل5:17إنما هي عبارة للمبتدئين,الذين لم يصلوا إلي حب الله بعد,ومازالت أجسادهم تشتهي أشياء تبعدهم عن الله.
أما الذي يحب الله,فإنه يمجد الله بجسده وبروحه 1كو6:20 وهو لا يستطيع أن يخطيء 1يو3:9, والشرير لايمسه 1يو5:18 لأن محبة الله ثابتة فيه.وكلما تقترب إليه خطية لتحاربه, يقول كيف أصنع هذا الشر العظيم, وأخطيء إلي الله؟! تك39:9.
الذي يحب الله,ويتعلق به فكره,يجعل كل شيء يذكره بالله الذي يحبه
فهو إن رأي السموات,لايتأمل فقط نجومها وكواكبها,ونور الشمس والقمر,إنما يقول مع داود النبي في المزمورالسموات تحدث بمجد الله,والفلك يخبر بعمل يديهمز19ويقول أيضاالسماء هي كرسي الله,والأرض موضع قدميه مت5:35,34 ويقول إن السماء هي مسكن الله مع الناسرؤ21ويتذكر أبانا الذي في السموات.ويقول هذه السماء التي أراها ليست شيئا,فهناك السماء الثالثة التي اختطف إليها القديس بولس الرسول2كو12:2وهناك سماء السموات التي قال عنها الرب ليس أحد صعد إلي السماء, إلا الذي نزل من السماء, ابن الإنسان الذي هو في السماء يو3:13.
وإن رأي الطبيعة الجميلة,لا ينشغل فقط بجمالها,بل يمجد الله الذي خلقها بهذا الجمال.إذ لايليق أن عطايا الله لنا.تشغلنا عن الله الذي أعطاها.بل كل هذه تعطينا فكرة عن حبه وكرمه وقدرته.
وهكذا إذا رأي زنابق الحقل.التيولاسليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منهايقول في نفسه:ما أعجب قدرة الله الذيألبسها هكذا مت6:28-30ونفس الوضع بالنسبة إلي الفراشات في ألوانها,والطيور في تغريدها,والنحلة في صنعها للشهد,والنملة في عملها ونشاطها كيف أن الله وهب كل هذه المخلوقات ما لها من مواهب تثير العجب والإعجاب...
بل حتي إن رأي قطة يطاردها كلب ,ويعجز عن إمساكها:
يقول في نفسه:عجبا كيف أن الله في حنوه أعطي المخلوقات الضعيفة وسيلة تهرب بها من التي هي أقوي منها.فالقطة تستطيع في هربها أن تتسلق شجرة بحيث لايستطيع الكلب أن يدركها والأسد وإن كان أقوي بمراحل من الغزال,إلا أن الله قد وهب الغزال قوة علي الجري بحيث يكون أسرع من الأسد,ويمكنه أن يهرب منه.
وهكذا يمجد الله في محبته,كلما رأي أسداوغزالا.
كذلك يتذكر محبة الله,كلما رأي شجرة تنفض ورقها في الشتاء,وتكسي بالورق في الصيف:مثل الكرمة علي التكعيبة:تنفض ورقها في الشتاء,فتعطيك فرصة أن تتمتع بدفء الشمس وأنت جالس تحتها.وتكتسي بالورق صيفا فتعطيك فرصة أن تستظل بورقها حين تشتد الحرارة...ونفس الحال مع أنواع أشجار كثيرة.
ما أجمل أن تحول الماديات إلي روحيات أو تأخذ دروسا روحية من أمور مادية: فتعجب كيف أن الله يكسو الدب القطبي أو الثعلب القطبي بفراء جميل يمنحه الدفء في تلك المناطق الجليدية,بينما لا يثقل الجمل أو الحصان بفراء يتعبه في سكني المناطق الحارة.
هناك أمور عديدة تذكرنا بعمل الله.ولكننا لانتذكر ,لأن محبتنا لله لم تصل إلي مستوي هذا التأمل!أما القلوب المحبة له,فكل شيء يذكرها به...ولهاالحواس المدربةعلي ذلكعب5:14أستأذنك أيها القاريء العزيز في الاكتفاء بهذا القدر عن محبتنا لله,وننتقل إن شاء الله إلي الحديث عن محبة الناس من الأعداد المقبلة إن أحبت نعمة الرب وعشنا.
نقلا عن جريدة وطني