مرحلة الشباب,النضج العقلي .. واستقلالية الذات
مرحلة الشباب تعد من اهم المراحل التي يمر بها الانسان طوال حياته، كونها تحمل في طياتها سمات النضوج الفكري والعقلي وتكامل النمو الجسمي، وان سني الحياة التي تعقبها تكون قائمة على اساسها، لان الفرد يدخل في مرحلة النضوج الاجتماعي ليأخذ دوره في الحياة بشكل تام، وان من بين اهم خصائص هذه المرحلة، هي اهتمام الشباب بتوسيع مديات معرفته منفتحا على الناس والحياة، فيكون الشاب اكثر قدرة وتمكنا على المخالطة الاجتماعية بشكل مباشر مع الكثير من الرموز الاجتماعية والشخصيات المرموقة، وفي كثير من الاحيان يحاول ان يكون مبتعدا عن الجو العائلي كي يصبح ذا شخصية مستقلة عن الاسرة، ويعمل في الوقت نفسه على ادامة علاقته مع الاخرين، وهذه العلاقات الجديدة والروابط الاجتماعية تقوي الاسس التي ارساها الشاب في طفولته وتدعمها.
هناك الكثير من الظواهر المستجدة في حياته ـ أي الشاب ـ ومنها الرغبة المتعاظمة والمتزايدة لديه في الابتعاد عن سيطرة الوالدين وسلطتهما، وذلك الميل نحو الاستقلالية يساعده في بناء شخصيته وتكوينها من جميع الجوانب، سواء النفسية والسلوكية والفكرية والعاطفية، وربما يصل به الحد الى ان ينظر الى سلطة الوالدين وكأنها تهدد قيمه وشخصيته وميوله ورغبته الشديدة في الاستقلالية وتكوين الشؤون الخاصة به والتي تختلف عن شؤون الاهل وشجونهم، وتلك الامور الخاصة به تصبح حصيلة لعالمه الداخلي الذي بناه لنفسه، وفي بعض الاحيان يبني صروحا قائمة على اساس احلامه واوهامه ورغباته وعواطفه وافكاره، ثم يحيطها بجدار ويقيم لها حدودا، ومن هذا العالم الداخلي يبدأ يرى وينسج عالمه الخارجي، اذ ان الانسجام بين العالم الداخلي والخارجي هو الذي يحدد قدرة الشاب على التفاعل والتكافل الاجتماعي، فبناء العلائق والروابط مع الاخرين، عملية متواصلة، وهذه الحالة ـ على الاعم الاغلب ـ تثير قلق الوالدين وسخطهما وشكوكهما، كونهما لا يستطيعان متابعته في كل صغيرة وكبيرة.
ان مما تجدر الاشارة اليه هو ان بعض ما يفقده الشاب من روابط مع الوالدين يعوضه بروابط جديدة متكافئة وحيوية مع اقرانه المقاربين له في العمر، وهذه الروابط تختلف بشكل كبير عما عهده مع الوالدين في شكلها ومضمونها، فهي متنوعة الجوانب وطوعية ارادية غير مفروضة، اذ يتمتع الشاب في هذه المرحلة بقدر كبير من الحرية والخيار في بنائها وتحديد مداها وفاعليتها، فبعض هذه العلاقات تكون مع اصدقاء اكثر خبرة ومعرفة، وبعضها يكون مع من ليست له خبرة او معرفة في الحياة، وذلك ما يترك اثاره ولمساته على مستقبل الشاب وحياته العلمية والعملية.
انه لمن الضروري والمهم جدا هو ان يسعى الشاب جاهدا لرفع مستوى خبرته ومعرفته ليكون مقتدرا مثل زملائه او مجموعته، لينمي تصوراته عن الحياة والكون حوله بما يطرح من افكار واراء وما يحتدم امامه من مناقشات وجدال حتى يصل الى مرحلة الاستيعاب والتأمل والمبادرة، بالشكل الذي يجعله اكثر امكانية وقدرة على بناء المواقف والاراء في اكثر القضايا المطروحة والدائرة، وبذلك يكون قد حقق وجوده واثبت قيمة ذاته ووسع مداركه حول ما يصلح به شؤون حياته وبما يمتلك من امكانيات متاحة وبما يتلاءم مع الظروف المحيطة والواقع البيئي والاجتماعي.
ان ابرز عوامل النضج الاجتماعي عند الشباب هو ادراكهم لاستقلاليتهم وحقوقهم واحترامهم لواجباتهم والتزاماتهم ومن ثم تقديرهم لظروف العائلة والمجتمع، وهذا مرتبط بمتانة مقومات الشخصية وقوة الادراك والبصيرة، ولا ريب ان استقلالية الشاب عن الاخرين تؤدي الى استقلالية القرار والفعل، وهذا الواقع يؤدي بالضرورة الى بناء علائق اجتماعية خاصة بدون الرجوع الى رأي او مباركة الاخرين.
ان هذا التطور على مستوى البحث عن علائق خاصة وتطويرها وادامتها، محك جاد وتجربة جديدة في حياة كل شاب، فبناء العلائق الانسانية من صداقات وصلات ووشائج وروابط بشتى انواعها، نشاط اجتماعي مهم، يغني قدرات الشاب ويوسع افاقه ويلون تجربته الذاتية ويضيف لها الشيء الكثير.
الانسان في مرحلة الشباب ينعم بفرصة سانحة للتحليق في افاق رحيبة تجاه العمل والابداع والحياة الاجتماعية والنشاطات الفكري والرياضية والفنية الاخرى، ورغم هذا الانطلاق في رحاب الحياة الاجتماعية، فغالبا ما يظل الشاب واعيا ومدركا لاهمية انسجامه مع المقاييس والاعتبارات الاجتماعية السائدة والمقبولة ومع ما هو مألوف ومطلوب ومرغوب اجتماعيا، ولا ريب ان ابرز نجاحات الشباب المطلوبة في هذه المرحلة هي النجاح والتفوق بالدراسة المهنية والجامعية، والابداع والاخلاص في العمل وارساء العلائق العائلية المتينة في الزواج والانجاب وتأمين حياة سعيدة آمنة ملؤها الرفاه والطمأنينة
منقوووووووول