قال المعترض: «وردت قصة الخلق مرتان في تكوين 1، 2. في أصحاح 1 ذكر أن الله خلق الإنسان ذكراً وأنثى، ولكن أصحاح 2 يقول إن الله خلق آدم ثم خلق حواء. وهذا تناقض في أصحاحين متتاليين».
وللرد نقول: يحكي الأصحاحان القصة نفسها، وهي قصة خَلْق أبوينا الأولين، وردت مختصرة في أصحاح 1، لأنه ذكر القصة كجزء من قصة الخليقة كلها، ووردت مفصَّلة في أصحاح 2 لأن الكاتب ذكر فيها كيف خُلق آدم من التراب وحواء من إحدى أضلاع آدم، ووصف لنا مشاعر آدم قبل خلق حواء وبعده، وأورد القصيدة الشِّعرية الأولى في التاريخ، والتي نظمها آدم لما رأى زوجته، أم كل حي.
القصتان متكاملتان ولا تناقض بينهما.
قال المعترض: «نقرأ في تكوين 1: 3 «وقال الله: ليكن نور، فكان نور». ونقرأ في تكوين 1: 14 «وقال الله لتكن أنوارٌ في جَلَد السماء». ألم يكن الله قد خلق النور في آية 3؟».
وللرد نقول: الشمس ليست المصدر الوحيد للنور، ولا بد أنه كانت هناك أنوار كونية قبل أن تتشكل الشمس، فكانت أضواء الغيوم السديمية تضيء الكون، ثم خلق الله الشمس والقمر والنجوم.
قال المعترض: «يقول تكوين 2:2 إن الله «استراح» بينما يقول إشعياء 40: 28 إن الله لا يكلّ ولا يعيا. وهذا تناقض، فالذي يتعب هو الذي يستريح».
وللرد نقول: كلمة «استراح» معناها أنه أكمل عمل الخلق وانتهى منه. لكن الله لم يتوقَّف عن العناية بخليقته، فهو ضابط الكل. ويقول المسيح: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (يوحنا 5: 17).
راجع تعليقنا على خروج 31: 17.
قال المعترض: «جاء في تكوين 2: 17 «وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت». ولكن آدم لم يمُت بعد أن أكل بل عاش بعد ذلك أكثر من 900 سنة، كما يقول تكوين 5:5».
وللرد نقول: هناك ثلاثة أنواع من الموت: (1) الموت الجسدي الذي يُنهي الحياة هنا على الأرض. (2) الموت الروحي، وهو الانفصال عن الله نتيجة الخطية، كما وصف الأب ابنه الضال أنه كان ميتاً وضالاً وهو في البُعد عن أبيه، فصار حياً ووُجد لما رجع إلى بيت أبيه (لوقا 15: 24). (3) الموت الأبدي في جهنم النار. وقد مات آدم الموت الروحي لما عصى الله. وقال بولس الرسول: «وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا» (أفسس 2: 1). فلما تعدى آدم الوصية حُرم رضا خالقه، واستوجب سخطه، وهذا هو معنى قوله: «يوم تأكل منها موتاً تموت». فليس المقصود هنا الموت الجسدي، بل الروحي، فمن وقت الأكل حُرم من رؤية الله، وخسر صورته المقدسة، واستوجب عقاب خالقه. وليس هو وحده فقط بل ذرّيته معه، لأنه كان ممثلاً لها.
قال المعترض: «يقول تكوين 2: 18 «ليس جيداً أن يكون آدم وحده، فأصنع له معيناً نظيره». وهذا يتناقض مع وصية الرسول بولس في 1كورنثوس 7: 27 والتي تقول: «أنت منفصلٌ عن امرأة فلا تطلب امرأة».
وللرد نقول: (1) لا يناقض الرسول بولس قول الرب، ولا يبحث في 1كورنثوس 7: 27 موضوع الزواج إن كان محللاً أو محرماً، لأنه يقول في الآية التالية (آية 28): «لكنك وإن تزوَّجْتَ لم تخطئ، وإن تزوَّجت العذراء لم تخطئ». ومن هذا يتضح أن الرسول بولس لا ينظر إلى الزواج باعتباره خطيةً أو أمراً يُعترض عليه.
(2) يفسِّر الرسول بولس نصيحته هذه في 1كورنثوس 7: 26 إذ يقول: «لسبب الضيق الحاضر حسنٌ للإنسان أن يكون هكذا» (أي غير متزوِّج). فسبب نصيحة الرسول بولس بعدم الزواج هو ضِيق الاضطهاد الذي كان واقعاً على المؤمنين في ذلك العصر، خصوصاً على المتزوجين منهم أصحاب الأولاد، لأن الأب في وقت الضيق يشعر بعبء الآلام الواقعة على عائلته بالإضافة إلى ما يقع عليه هو شخصياً. فمعنى كلام الرسول بولس أنه بسبب ظروف الاضطهاد يكون المسيحي غير المتزوج أخفَّ حملاً من المتزوِّج (انظر عددي 28 و40).
(3) قال الرسول بولس في 1كورنثوس 7: 32، 33 «فأريد أن تكونوا بلا همّ. غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يُرضي الرب، وأما المتزوج فيهتم بما للعالم كيف يُرضي امرأته». فغير المتزوج يستطيع أن يعمل أكثر لامتداد ملكوت الله من المتزوِّج. أما من لا يقدر أن يبقى أعزباً فينصحه الرسول بولس بالزواج.
قال المعترض: «يقول تكوين 3: 8 عن آدم وحواء بعد أن أكلا من الشجرة المنهيّ عنها «فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة». فهل هناك مكان يهرب فيه الإنسان من وجه الرب، بينما يقول داود النبي: «أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟» (مزمور 139: 7)».
وللرد نقول: الآية قد تعني (1) أن آدم وحواء هربا من ظهور الرب لهما بصورة فائقة، كما يحاول التلميذ الغشّاش أن يهرب من المعلّم. (2) أو أنهما ابتعدا عن المكان الذي كان الرب يظهر لهما فيه بهذه الصورة الفائقة كما يهرب الخاطىء من مكان العبادة. (3) أو ظنّا أنهما اختبئا، بينما هما ظاهران لله الذي لا يخفى عليه شيء.
قال المعترض: «يقول تكوين 3: 16 في عقوبة حواء «إلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليكِ». ولكننا نجد دبورة قاضيةً لبني إسرائيل، وقال لها باراق بخصوص محاربة الملك يابين «إنْ ذهبتِ معي أذهب» (قضاة 4:4، 5، 14). فكان باراق في هذه الحالة خاضعاً لدبورة».
وللرد نقول: (1) لم تكن دبورة زوجة لباراق، وزوجها اسمه لفيدوت. ولابد أن دبورة كانت زوجة فاضلة تخضع لزوجها كما تعلّمها الشريعة التي كانت تقضي بها للشعب. فليس في تصرّف دبورة تناقض مع تكوين 3: 16.
(2) ولابد أن دبورة كانت امرأة فاضلة حتى التفَّ الشعب كله حولها لمحاربة سيسرا العدو المغتصِب. كما أن قيادتها للشعب جعلت الملك يابين وقائد جيشه سيسرا يستهينان بقيادة جيش بني إسرائيل الذي تقوده امرأة، مما ساعد على إيقاع الهزيمة بهما.
(3) القول «إلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليكِ» (تكوين 3: 16) كان عقاباً لحواء على سقوطها. لكن في حالة فدائها يرتفع عنها الحكم القاسي، ويكون قانون الحياة الزوجية «خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله» (أفسس 5: 21).
قال المعترض: «لما ولدت حواء قايين قالت «اقتنيتُ رجلاً من عند الرب» (تكوين 4: 1) والرب هنا هو «يهوه» في اللغة العبرية. ولكن جاء في خروج 6: 3 «وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء. أما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم». وهذا تناقض».
وللرد نقول: هناك ثلاثة احتمالات:
(1) لم يكن اسم «يهوه» (ومعناه: الكائن) معروفاً عند القدماء بكل معناه العميق.
(2) لم يكن الله قد أعلن للقدماء كل الصفات الكامنة في هذا الاسم المقدس.
(3) لما كتب موسى التكوين سبق التاريخ، وكتب فيه اسم «يهوه». ولم يكن الله قد أعلن له هذا الاسم إلا وهو في عمر الثمانين، يوم دعاه ليُخرج شعبه من مصر.
قال المعترض: «يقول تكوين 4: 8 «وكلّم قايين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله». وفي الترجمة السامرية والسبعينية يقول: «تعال نخرج إلى الحقل».
وللرد نقول: قوله: «وكلّم قايين هابيل أخاه» يعني أن قايين قَبْل جريمته تحدَّث إلى أخيه ليخفي عنه القصد الذي يكتمه في قلبه. ويمكن أن يكون كلام الاستدراج إلى حيث لا يراه أحد وهو يقتله. ولا بد أن قايين قال ضمن ما قاله لأخيه «تعال نخرج إلى الحقل». فما جاء في الترجمة السامرية والسبعينية لا يتعارض مع سياق الكلام الوارد في النصّ العبري الأصلي. ولكن المعوَّل عليه هو النصّ العبري طبعاً.
قال المعترض: «يقول تكوين 4: 15 «كل من قتل قايين فسبعة أضعاف يُنتقَم منه. وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده». وهذا يناقض تكوين 9: 6 والذي يقول «سافك دم الإنسان، بالإنسان يُسفَك دمه».
وللرد نقول: (1) لم تتقرر شريعة القتل كقانون للمجتمع إلا بعد الطوفان (تكوين 9: 5، 6) فلا يمكن سنّ قانون قبل أن توجد جريمة! ولم يعرف قايين أن القتل جريمة إلا بعد أن قتل أخاه، فاستيقظ ضميره وخاف من أن يقتله أحد. ولم يسمح الله بقتل قايين لأنه لم يكن يعرف الشريعة.
(2) كان قايين يتمنى أن يقبل الله تقدمته، فينال رضى الرب. ولما قتل أخاه غضب الله عليه، ولكنه لم ينْسَ له حُسن نيَّته. ومقاييس الله غير مقاييس البشر، وموازينه أكثر حساسية من موازين بني آدم.
(3) لا بد أن الله رأى أن موت قايين سيُضاعف حزن آدم وحواء، إذ يُفجَعان في قايين وهابيل معاً! فأخذ الله الأبوين في حسابات رحمته.
قال المعترض: »يقول تكوين 4: 19 »واتَّخذ لامك لنفسه امرأتين» فهل يبيح الله الزواج بأكثر من واحدة؟».
وللرد نقول: اختار الله للبشر الزواج من واحدة، فخلق حواء واحدة لآدم الواحد (تكوين 1: 27، 2: 21-25). واستمرَّ البشر يطيعون ما اختار الله (تكوين 4: 1) حتى جاء لامك الخاطئ الذي قال لامرأتيه إنه قتل رجلاً وفتى (تكوين 4: 23) وهو الذي تزوَّج من السيدتين عادة وصِلَّة. وأمر الله في شريعة موسى أن ملك بني إسرائيل لا يكثِّر له نساءً لئلا يَزيغَ قلبُه (تثنية 17:17). وقد أخطأ الملك سليمان وتزوج من كثيرات رغم الأمر الإلهي بخصوص عُبَّاد الوثن والذي يقول «لا تدخلون إليهم ولا يدخلون إليكم، لأنهم يُميلون قلوبكم وراء آلهتهم» (1ملوك 11: 2). وقال المسيح «الذي خلقهما من البدء خلقهما ذكراً وأنثى» (مت 19: 4). وعلَّمنا الإنجيل أن العلاقة النموذجية بين الزوج وزوجته هي التي تكون على مثال علاقة المسيح بالكنيسة (أفسس 5: 31، 32). والمسيح واحد والكنيسة واحدة!.. ولم يأمر الله أبداً بالزواج من أكثر من واحدة، ولكن بسبب قساوة قلوب البشر سمح لهم بذلك. بل إنه منع الزواج بأكثر من واحدة، لأن من يُكثر النساء يَزيغ قلبُه عن الرب. وقد رأينا من التوراة أن كل من تعدَّدت زوجاته تنغَّصت حياته وحياتهن، ونشأ أولاده في خصام ونكد. وتعلِّمنا الطبيعة أن الزواج من واحدة هو الأمر المعقول، وذلك بسبب تساوي عدد النساء مع الرجال.
اعتراض على تكوين 5: 24 - الله أصعد أخنوخ إلى السماء.
انظر تعليقنا على يوحنا 3: 13
قال المعترض: «هناك تناقض بين تكوين 5: 32 و11: 10 ففي الأول يقول «وكان نوح ابن 500 سنة، وولد نوحٌ ساماً وحاماً ويافث» وفي الثاني يقول: «لما كان سام ابن مائة سنة ولد أرفكشاد بعد الطوفان بسنتين» مع أن تكوين 7: 11 يقول إن الطوفان حصل لما كان نوح ابن 600 سنة».
وللرد نقول: لا يُفهم من قوله «ولد نوح ساماً وحاماً ويافث» أن ساماً كان الأكبر، فقد ذُكر سام أولاً لأنه سيكون أباً لإبراهيم ويعقوب وداود والمسيح. وفي تكوين 10 ذُكرت مواليد الثلاثة، فذُكر يافث أولاً (عدد 2) وحام ثانياً (عدد 6) وسام ثالثاً (عدد 21). ويُفهم من تكوين 10: 21 أن أكبر أولاد نوح هو يافث، ومن تكوين 9: 24 أن أصغر أولاده حام. فإذاً يكون سام الابن الثاني.
أما القول «وكان نوح ابن 500 سنة وولد نوح ساماً وحاماً ويافث» فمعناه أنه لما كان ابن 500 سنة ابتدأ أن يلد أولاده، فولد أولاً يافث سنة 500، وسام سنة 501، ثم ولد سام ابنَه أرفكشاد لما كان عمره 100 سنة (أي في منتصف السنة 101، وكان عُمر نوح 601 سنة). فيكون أنه ولده بعد الطوفان بسنتين، باعتبار السنة التي وُلد فيها هو، والسنة التي وُلد فيها ابنه، تتوسطهما المئة سنة التي جاء بعدها الطوفان لما كان نوح أبوه ابن 500 سنة.
قال المعترض: «قال تكوين 6: 2 إن «أبناء الله رأوا بنات الناس أنهنَّ حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساءً من كل ما اختاروه«. فهل لله الأبناء وللناس البنات؟!».
وللرد نقول: هناك أربعة تفسيرات للتعبير «أبناء الله» (1) إنهم الشرفاء والنبلاء. (2) إنهم الملائكة، ويؤيِّد هذا التفسير ما جاء في 2بطرس 2: 4 ويهوذا 6. ولكن ليس هذا هو المعنى المقصود هنا، لأن الملائكة لا يتزوَّجون (لوقا 20: 30). (3) إنهم الأتقياء من نسل شيث الصالح الذي وُلد بعد موت هابيل، عوضاً عن هابيل، والذين وُعدوا أن يجيء المسيح منهم (تكوين 4: 26). وأن نسل هذا الرجل الصالح تزوَّج من «بنات الناس» أي نسل قايين القاتل. ولكن هذا التفسير لا يشرح كيف تكون مواليد هؤلاء جبابرة! (4) إنهم أبناء الله بمعنى أنهم الأقوياء، كما يُقال للجبل المرتفع «جبل الله» (خروج 3: 1) ولأشجار الأرز العالية «أرز الله» (مزمور 80: 10). وأن هؤلاء تزوجوا من شريرات، فكان نسلهم متجبّراً في الأرض.. فليس لله الأبناء وللناس البنات! ولكن النبلاء تزوجوا من شريرات، والصالحون تزوجوا من غير صالحات. فجاء النسل بعيداً عن مخافة الله، يرفض توبيخ روح الله (راجع تكوين 6: 3) ووصفهم الله بأنهم زائغون، كثُر شرّهم في الأرض (تكوين 6: 5).
غير أننا نشكر الله لأنه من قبل الطوفان دعا البشر أولاده، وقد علّمنا المسيح أن ندعوه «يا أبانا الذي في السموات» (متى 6: 9).. أما إطلاق لقب «ابن الله» على المسيح فله معنى مختلف، وهو أن المسيح هو «الله مُعلَناً» لأنه الكلمة المتجسد. وفي هذا يُقال عنه «ابن الله الوحيد» لتمييزه عن البشر. وبنوَّة المسيح لله أزلية أصيلة، لكن بنوية البشر لله حادثة ومكتسَبة.
قال المعترض: «جاء في تكوين 6: 3 «فقال الرب: لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد. لزيغانه هو بشر، وتكون أيامه 120 سنة». وهذا خطأ، لأن أعمار الذين كانوا في سالف الزمان طويلة جداً. عاش نوح 950 سنة، وعاش سام 600 سنة، وعاش أرفكشاد 338 سنة، وهكذا».
وللرد نقول: لما عزم الله أن يُهلك البشر بالطوفان بسبب شرّهم، لم يشأ أن يهلكهم حالاً، بل تأنّى عليهم، وحدَّد مدة ذلك التأني 120 سنة. فلم يقصد أن عمر الإنسان سيكون 120 سنة، بل أن الطوفان لا يأتي لهلاك البشر إلا بعد 120 سنة، وبعد ذلك ينجو التائب من الهلاك وتهلك كل نفس عاصية.
فإذا قال المعترض إن تكوين 5: 32 يذكر أن نوحاً كان ابن 500 سنة، ثم جاء الطوفان وعمره 600 سنة، فيكون الفرق هو 100 لا 120 سنة، فنجيب: إن قول الرب عن الإنسان «وتكون أيامه 120 سنة» كان قبل أن يبلغ عمر نوح 500 سنة، لأن الكلام في تكوين 6: 1-7: 9 تاريخ لمائة وعشرين سنة. من المحتمل جداً أن الإنذار بالطوفان حصل قبل ما قيل في 5: 32 من أن عمر نوح كان 500 سنة حين ابتدأ أن يلد بنيه.
و نقرأ في 1بطرس 3: 19، 20 أنها مدة أناة الله في أيام نوح، وهي ثلاثة أمثال مدة تجربة بني إسرائيل في البرية، وثلاثة أمثال المدة التي أعطاها الله لهم بعد صلب المسيح إلى خراب أورشليم، فكان نوح يكرز لما كان عمره 480 سنة.
قال المعترض: «يقول تكوين 6:6، 7 «فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسَّف في قلبه. فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقتُه، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم«. ويقول في مزمور 106: 44، 45 «فنظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم، وذكر لهم عهده، وندم حسب كثرة رحمته». ويقول في 1صموئيل 15: 11 «ندمتُ على أني جعلت شاول ملكاً لأنه رجع من ورائي ولم يُقم كلامي». فهل يندم الله؟! علماً بأن هذا يناقض ما جاء في سفر العدد 23: 19 «ليس الله ابن إنسانٍ فيندم».
وللرد نقول: (1) لا شك أن الله منزّه عن الندم والحزن والأسف وغيرها. ورد في عدد 23: 19 «ليس الله إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي؟» وفي 1صموئيل 15: 29 «نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم، لأنه ليس إنساناً ليندم». وفي يعقوب 1: 17 «كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران». وفي إشعياء 46: 9، 10 «لأني أنا الله وليس آخر، الإله وليس مثلي. مخبرٌ منذ البدء بالأخير، ومنذ القديم بما لم يُفعَل. قائلاً: رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي». وفي ملاخي 3: 6 «لأني أنا الرب، لا أتغيّر».
(2) ندم الله لا يعني تغييره، لأن الله لا يتغيَّر، فهو يكره الخطية ويعاقبها. كل ما في الأمر أن الله يوبِّخ الخاطئ وينذره بالهلاك إن لم يتُب. فإذا غيَّر إنسانٌ موقفه من الخطية وتاب، فإن الله يغيِّر إعلان العقاب، ويمنح العفو والغفران. ويبارك المؤمن المطيع، ولكن لو غيَّر مؤمنٌ موقفه من الله وعصى، فهل يستمر الله يباركه؟ إن الله لا يتغيّر، لكن معاملته للإنسان تتغيَّر بتغيير موقف الإنسان من الوصايا الإلهية. لقد سُرَّ الله بالإنسان لما خلقه، ثم حزن وتأسف وندم لما سلك الإنسان سبيل الشر. ويقولون «يا حسرة على العباد». والحسرة هي الندم. فالله في محبته يطيل أناته على العباد والكافرين ليتوبوا، ويرزق الصالحين والطالحين لينتبهوا إليه. فإذا لم يندموا ويتحسروا على خطاياهم يتحسّر هو ويندم على سوء أفعالهم. راجع تعليقنا على تكوين 17: 8 (بند 1).
(3) القول «ندم الرب» أو «حزن» معناه الشفقة والرقة والرحمة عند الرب. فلو أن أباً محباً أدّب ابنه لأنه خالفه، ثم رأى ألم ابنه بسبب التأديب، فإنه يتوجَّع لوجعه ويتألم لألمه ويتأسف ويحزن ويندم، مع أن الأب عمل الواجب في تقويم ابنه وتأديبه وخيره. إنما أسفه وندمه وحزنه كله ناشئ من الشفقة والرحمة. ولا يجوز أن نقول في مثل هذا المقام إن أباه رحمه أو أشفق عليه، بل نقول إن أباه ندم، بمعنى الرحمة والشفقة. فعلى هذا القياس يُقال إن الله ندم، بمعنى أنه أعلن شفقته ورحمته وجوده وكرمه، وكأنك تقول: «رحمهم بعد عقابه لهم». أو تقول: «ندم بعد العقاب والعذاب» دلالة على رحمته. والدليل على ذلك أن النبي داود قال: «وندم حسب كثرة رحمته».
(4) استعمال مثل هذه الألفاظ البشرية في جانب الله جائز، ليقرّب لعقولنا الأمور المعنوية، فإنه لا يخاطبنا بلغة الملائكة بل بلغتنا واصطلاحاتنا لندرك حقائق الأمور. وعلى هذا فهو يقول لنا إن الله ندم، بمعنى أنه غيَّر قضاءه بسبب تغيير الشروط التي سبق ووضعها. ولو أن هذا الندم يختلف عن ندم الإنسان، فالإنسان يندم بسبب عدم معرفته لما سيحدث. وهذا لا ينطبق على الله، الذي ليس عنده ماضٍ ولا مستقبل، بل الكل عنده حاضر.
وعندما نقول إن الله يحب ويكره ويتحسّر ويندم، لا نقصد أن له حواس مثل حواسنا، إنما نقصد أنها مواقف لله إزاء ما يفعله البشر.
قال المعترض: «في تكوين 6: 19 أمر الله نوحاً أن يأخذ معه إلى الفلك «من الطيور كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها، اثنين من كلٍّ». وجاء في تكوين 7: 8، 9 «من البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة، ومن الطيور، وكل ما يدب على الأرض، دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك، ذكراً وأنثى». ولكن في تكوين 7: 2، 3 يقول إن الله أمر: «من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة، ذكراً وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكراً وأنثى».
وللرد نقول: الأمر الأول كان أمراً عاماٌ (زوجين من كل البهائم والطيور) دون أن يذكر إن كانت طاهرة (تصلح لتقديمها كذبائح) أو غير طاهرة (لا يجب تقديمها كذبائح). ثم أوضح بعد ذلك بسطرين أن يأخذ من الطاهرة سبعة لاستبقائها ولتقديم الذبائح منها. ونقدم الآيات بحسب ترتيبها، كالآتي:
(1) أمر الله نوحاً أن يأخذ معه من كل أنواع الطيور والبهائم وذات الأربع اثنين اثنين. فقال في تكوين 6: 19، 20 «ومِن كل حيٍ من كل ذي جسدٍ، اثنين من كلٍ، تُدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكراً وأنثى. من الطيور كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين مِن كلٍ تُدخل إليك لاستبقائها».
(2) على أن يزيد نوح عدد ما يمكن تقديمه كذبائح (الطاهر طقسياً) إلى سبعة، فيقول في تكوين 7: 2، 3 «مِن جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة ذكراً وأنثى. ومن البهائم التي ليست طاهرة اثنين ذكراً وأنثى. ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكراً وأنثى لاستبقاء نسلٍ على وجه الأرض».
(3) أطاع نوح أوامر الرب، فيقول في تكوين 7:7-9 «فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك، ذكراً وأنثى، كما أمر الله نوحاً».
قال المعترض: «ورد في تكوين 7: 17 «وكان الطوفان أربعين يوماً على الأرض». وفي الترجمة السبعينية أربعين يوماً وليلة». زيدت كلمة «ليلة» على الأصل».
وللرد نقول: المراد باليوم هو 24 ساعة، والدليل على ذلك قوله (آية 12) «وكان المطر على الأرض 40 يوماً و40 ليلة». ثم اكتفى في آية 17 بأن قال «أربعين يوماً». وفوق ذلك نقول إن اليوم المصطلح عليه بين الناس هو 24 ساعة. قيل إن موسى قضى عند الله أربعين ليلة، مع أنه كان عند الله في الأيام والليالي. ولو كان مع الله في الليالي فقط، وكان في النهار مع بني إسرائيل لَمَا عبدوا العجل. فإنهم عبدوه لغياب موسى عنهم. وعليه فالمراد بالليلة 24 ساعة. وما أحسن عبارة التوراة «وكان عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة» (خروج 34: 28).[/
قال المعترض: «جاء في تكوين 8: 4، 5 «استقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط. وكانت المياه تنقص نقصاً متوالياً إلى الشهر العاشر. وفي العاشر في أول الشهر ظهرت رؤوس الجبال.. فبين الآيتين اختلاف، لأنه إذا ظهرت رؤوس الجبال في الشهر العاشر، فكيف استقرَّ الفلك في الشهر السابع على جبال أرمينية؟».
وللرد نقول: يبلغ ارتفاع جبل أراراط نحو 17750 قدماً عن سطح الأرض، فهو أعلى جبل في تلك الجهة. فلما استقر الفُلك عليه لم تكن رؤوس الجبال الأقل منه ارتفاعاً قد ظهرت، وقد ظهرت بعد ثلاثة أشهر تقريباً. وهذا يشبه ما يحدث في فيضان نهر النيل وتعم مياهه بلاد مصر، وينقطع نزول الأمطار في أواسط أفريقيا، ومع ذلك تمكث المياه على الأراضي نحو ثلاثة أشهر على الأقل، مع أنها تصب في البحر المتوسط. ثم أنه ليس شرطاً أن تكون رؤوس جبال أراراط ظاهرة فوق الماء حتى يمكن للفلك أن يستقر فوقها، إذ يمكن أن تكون رؤوس الجبال هذه تحت الماء. واستقرَّ غاطس الفلك فوقها في الشهر السابع، حتى انحسرت في الشهر العاشر، فظهرت رؤوس الجبال.
قال المعترض: «قال الله مخاطباً نوح وأولاده في تكوين 9: 3 «كل دابَّة حيَّة تكون لكم طعاماً. كالعُشب الأخضر دفعتُ إليكم الجميع». وهذا يناقض ما جاء في تكوين 1: 29 حيث يقول «إني قد أعطيتكم كل بَقْلٍ يُبزِر بِزراً على وجه كل الأرض، وكلَّ شجر فيه ثمرُ شجرٍ يُبزِر بِزراً لكم يكون طعاماً» كما أن التصريح في تكوين 9: 3 بالأكل من كل دابَّة حيَّة يناقض شريعة موسى التي حرمت حيوانات كثيرة، منها الخنزير، كما في لاويين 11 وتثنية 14».
وللرد نقول: التصريح بأكل اللحوم بعد التصريح بأكل البقول والخضروات نموذج للوحي المتدرِّج، فلحكمةٍ عند الله أمر أولاً بالطعام النباتي، ثم صرَّح بأكل اللحوم. وكل الآباء يفهمون هذا، فيسمحون لصغارهم بالأكل بأيديهم، ثم ينهونهم عن ذلك ليستخدموا الملاعق.
أما القول «كل دابة حية» فالمقصود به كل الحيوانات الطاهرة التي أمر الله نوحاً أن يُدخل منها إلى الفلك سبعة سبعة ذكراً وأنثى (تكوين 7: 2). ولم يأمره الله بالإكثار من الحيوانات الطاهرة إلا للأكل وتقديم الذبائح، كما جاء في تكوين 8: 20 «وبنى نوح مذبحاً للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح». فكان نوح يميِّز بين البهائم الطاهرة وغير الطاهرة.
اعتراض على تكوين 9: 3، 4 - هل عمليات نقل الدم حرام؟
انظر تعليقنا على أعمال 15: 20
قال المعترض: «جاء في تكوين 9: 20-27 أن نوحاً لما أراد أن يلعن ابنه حام، لعن حفيده كنعان بن حام وقال «ملعون كنعان! عبد العبيد يكون لإخوته» (آية 25). فلماذا يتحمَّل الابن وِزر أبيه، مع أن التثنية 24: 16 تقول إن الابن لا يناله العقاب بسبب أبيه؟ ثم: هل توافق التوارة على أن الأخ يستعبد أخاه، فيكون كنعان عبد العبيد لإخوته؟».
وللرد نقول: لا يوجد ما يدل على أن لعن كنعان كان بسبب خطية أبيه حام. ثم أن نوحاً كنبي استطاع بروح النبوَّة أن يرى الاتجاهات الروحية لأولاده وأحفاده، فقال ما قاله من بركة ولعنة وهو يرى بالروح ما سيفعلونه. فلم يتحمل كنعان وزر خطية أبيه حام.
أما من جهة العبودية، فقد كان الإسرائيلي يستخدم أخاه الإسرائيلي استخداماً رفيقاً حسب وصية لاويين 25: 46 «أما إخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلّط إنسان على أخيه بعنف». كما يأمر خروج 21: 16 بقتل من يسرق إنساناً ليبيعه أو ليحتفظ به كرهينة. ويقول إشعياء 58: 16 إن العبادة التي يقبلها الرب هي إطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير.
قال المعترض: «جاء في تكوين 11: 5 «فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما». وتكررت نفس الفكرة في تكوين 18: 20، 21. فكيف ينزل الله؟».
وللرد نقول: هذا تعبير إنساني يشرح لنا تدخُّل الله ليفعل ما يريد في دنيا البشر. وقد كان بُناة برج بابل أردياء، مثل أهل سدوم، وأبعد ما يكونون عن مراحم الله، فكان الله بعيداً عنهم جداً، فأخذ الله سيف العدالة و«نزل« إلى دائرة مشاعرهم بطريقة مخيفة، ليعاقبهم. وقال أحد علماء بني إسرائيل إن الله نزل من عرش رحمته إلى عرش قضائه، لأن الرحمة أعلى من القضاء.
راجع تعليقنا على تكوين 18: 21.
قال المعترض: «جاء في تكوين 11: 6 بخصوص بناء برج بابل ليصل للسماء قول الله «هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل. والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه». فهل كان الله يخاف من وصول البرج إلى السماء؟».
وللرد نقول: المقصود بأن «رأس البرج بالسماء» أنه يكون عالياً حتى لا تحجب شجرةٌ عاليةٌ زُرقةَ السماء عن الواقف فوقه، كما قيل عن مدن الكنعانيين «مدن عظيمة محصَّنة إلى السماء» (تثنية 1: 28). وليس المقصود أن البرج يرتفع حتى يصل إلى سماء الله.. والمقصود «بما ينوون أن يعملوه» هو الكبرياء والتجبُّر وتأليه أنفسهم. وعندما يتمادى الإنسان في هذا الخطأ لا يتوقف، فيزيد الشر في العالم. وأراد الله أن يحدَّ من انتشار الشر في العالم بأن يُذهِب ريحهم.
قال المعترض: «يقول تكوين 11: 26 «وعاش تارح سبعين سنة وولد أبرام وناحور وهاران». ويقول تكوين 11: 32 «وكانت أيام تارح 205 سنين. ومات تارح في حاران». ويقول تكوين 4: 12 «فذهب أبرام كما قال له الرب وذهب معه لوط. وكان أبرام ابن 75 سنة لما خرج من حاران». ويقول أعمال الرسل 7: 4 «فخرج (إبراهيم) حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن في حاران، ومن هناك نقله (الله) بعد ما مات أبوه إلى هذه الأرض التي أنتم ساكنون فيها». وهذه الآيات متناقضة، لأنه إن كان تارح ابن 70 سنة لما ولد إبراهيم، ومات وعمره 205 سنة، فيكون عمر إبراهيم عند موت أبيه 135 سنة. وإن كان قد ترك حاران عند موت أبيه فلا بد أن عمره كان 135 سنة عند وصوله إلى أرض الموعد. وهذا يناقض قول تكوين 12: 4 إن عمر إبراهيم كان 75 سنة لما خرج من حاران».
وللرد نقول: (1) هذا الاستنتاج يستند على مجرد زعم لا يقتضيه النص، وهو أن إبراهيم كان بكر أبيه، ولأنه وُلد لما كان أبوه في السبعين. صحيح أن تكوين 11: 26 يقول «وعاش تارح سبعين سنة وولد أبرام وناحور وهاران» فيذكر إبراهيم أولاً، ربما لأنه البكر، وربما أيضاً لأن إبراهيم أهم أولاد تارح. فإذا قلنا (وهذا جائز) إن إبراهيم كان أصغر أولاد أبيه، وإنه وُلد لما كان عمر أبيه 130 سنة، فيكون عمره عند موت أبيه 75 سنة. وبناءً عليه يكون تكوين 12: 4 وأعمال 7: 4 متفقين.
(2) وهناك تفسير آخر يلاشي الصعوبة: من المحتمل أن استفانوس (في موعظته الواردة في أعمال 7) لم يقصد أن يدوّن حوادث حياة إبراهيم التاريخية بالترتيب، بل أن يذكر فقط الحوادث المهمة الواردة عنه. وهذا الحل لا يتعارض مع الحل المتقدم. وإذا قبلناه لا نجد تناقضاً بين ما جاء في التكوين وما ورد في سفر الأعمال.
قال المعترض: «يقول تكوين 12: 1-5 إن الله دعا إبراهيم وهو في حاران، بينما يقول أعمال الرسل 7: 2-4 إن الله دعاه قبل أن يجيء إلى حاران».
وللرد نقول: الذي يفتش عن الأخطاء يختلقها. لقد وجَّه الله الدعوة لإبراهيم ليذهب لأرض الميعاد قبل أن يجيء إلى حاران. ولما وصل إلى حاران أقام فيها، فعاد الله يدعوه من جديد ليتابع السَّفَر إلى حيث دعاه أولاً. وكانت المدة بين الدعوة الأولى والثانية خمس سنوات.
قال المعترض: «يقول تكوين 12: 6 «وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض» ويقول تكوين 13: 7 «وكان الكنعانيون والفرزيون حينئذ ساكنين في الأرض». فهاتان الآيتان ليستا من كلام موسى بل هما ملحقتان».
وللرد نقول: ما هو برهان المعترض على أن هاتين الآيتين ليستا من كلام موسى؟ إنهما لا تنافيان حقيقة تاريخية، ولا هما تنافيان صفات الله وكمالاته. إن كلام الله منزّه عن التناقض والزيادة والحذف، ففي تكوين 12 قال موسى إن أبرام ولوطاً تركا وطنهما وقصدا أرض كنعان (آية 4)، ثم ذكر أن أبرام سافر إلى شكيم، وكان الكنعانيون حينئذ في تلك البلاد. ففي آية 5 أفاد أن أبرام «سافر إلى أرض كنعان» وفي آية 6 قال إن الكنعانيين كانوا موجودين في تلك الجهة. وهو نفس ما كرره الوحي في تكوين 13: 7، وقال إن الأرض لم تسع لوطاً وإبراهيم لكثرة مواشيهما، ومما زاد الأمر صعوبة وجود الكنعانيين والفرزيين في تلك البلاد.
راجع تعليقنا على تثنية 1:1- 5 حيث يتكلم عن نفسه بضمير الغائب.
قال المعترض: «جاء في تكوين 12: 11-13 أن إبراهيم طلب من زوجته سارة أن تقول إنها أخته «ليكون لي خير بسببك، وتحيا نفسي من أجلك». ألا يدفع ذِكر هذه الحادثة القارئ على تقليد إبراهيم وارتكاب الكذب؟».
وللرد نقول: لو كان موسى (كاتب سفر التكوين) مدفوعاً بتفكيره الشخصي لحذَفَ هذه القصة التي تُخجِل جدَّه الأكبر. ولكن ذِكرها دليل على أن روح الله هو الذي ساقه ليسجّلها. أما هدف الروح القدس من تسجيلها فهو أن يرينا أن كل البشر خطاؤون لأنه لا فرق، إذ الجميع أخطأوا.. متبرِّرين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح. وليس هناك إنسان كامل إلا الواحد، يسوع المسيح. وهذا يكشف لنا محبة الله التي ترحّب بالخاطئ الراجع إلى الله، كما يشجّعنا على التوبة. فلا توجد خطية مهما عظمت تحرمنا من رحمة الله عند التوبة عنها.
ومن المؤسف أن خطية إبراهيم هذه تكررت من ولده إسحاق مع زوجته رفقة. كما كان يعقوب حفيد إبراهيم مخادعاً حتى توَّبه الله إليه. وهذا يكشف لنا شناعة الخطية، فإن الأبناء كثيراً ما يقتدون بوالديهم.
وقد حاول البعض أن يدافعوا عن خطية إبراهيم بقولهم إنها كذبة بيضاء، فقد كانت سارة أختاً غير شقيقة لإبراهيم. وهذا صحيح. لكن الوحي المقدس يدين الكذب كله أبيضه وأسوده، وقد سجَّل لنا هذه «الكذبة البيضاء على أنها خطية تستحق الإدانة.
قال المعترض: «قال الله لإبراهيم في تكوين 13: 16 «وأجعل نسلك كتراب الأرض، حتى إذا استطاع أحدٌ أن يعدَّ تراب الأرض، فنسلك أيضاً يُعَدّ». وفي 22: 17 «وأكثِّر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر». ولكن عدد أولاد إبراهيم لم يبلغ عددهم عدد حبات رطلٍ من الرمل!».
وللرد نقول: قصد الله أن يكلم إبراهيم بأسلوب يفهمه، وقد أنجز الله وعده، فنسل إبراهيم هم العرب وبنو إسرائيل. كما أن نسل إبراهيم المؤمن، هم الذين يؤمنون إيمان إبراهيم، وقد صار عددهم لا يُحصى. والمسيح من نسل إبراهيم، وفيه تباركت قبائل الأرض. فما أكثر نسل إبراهيم الجسدي، وما أكثر نسله الروحي!
قال المعترض: «ورد في تكوين 13: 18 و35: 27 و37: 14 اسم قرية «حبرون» التي كانت معروفة من قبل باسم «قرية أربع» وقد غيَّر بنو إسرائيل اسمها إلى حبرون، بعدما فتحوا فلسطين في عهد يشوع (يشوع 14: 15). فيكون ما ورد في سفر التكوين كلام شخصٍ عاش بعد هذا الفتح، وهو إذاً ليس من كلام موسى».
وللرد نقول: سمِّيت تلك القرية «حبرون» (بمعنى تحالف) قبل موسى بأجيال، بسبب التحالف الذي أبرمه إبراهيم مع الأموريين. وكان هذا الاسم شائعاً في عصر يعقوب (قبل موسى بمدة طويلة) فقد ورد في تكوين 37: 14 أن يعقوب «أرسل يوسف من وطاء حبرون». وورد في سفر العدد 13: 22 «وأما حبرون فبُنيت قبل صوعن مصر بسبع سنين». فدعاها موسى «حبرون» لأن هذا هو اسمها قبل عصره بأجيال. وكانت تُسمى أيضاً «قرية أربع» لأنها كانت مسكن أربعة من العمالقة الجبابرة. ولم يقل في سفر يشوع 14: 15 إنه لما استولى بنو إسرائيل عليها سمّوها حبرون، وغيّروا اسمها الأصلي الذي هو قرية أربع، بل قال «اسم حبرون قبلاً قرية أربع». ويُفهم من هذه العبارة أن بني إسرائيل أطلقوا عليها الاسم القديم وهو حبرون الذي كانت تُسمّى به وقت إبراهيم.
قال المعترض: «ورد في تكوين 14:14 اسم قرية «دان» وهو اسم بلدة عُمِّرت في عهد القضاة، فإنه بعد موت يشوع فتح بنو إسرائيل في عهد القضاة مدينة لايش وغيَّروا اسمها إلى دان، كما في القضاة 18: 29. فيكون ما ورد في سفر التكوين كلام شخصٍ عاش بعد هذا الفتح، وهو إذاً ليس من كلام موسى».
وللرد نقول: «دان الواردة في تكوين 14:14 هي بلد غير البلد المذكورة في سفر القضاة 18: 29، وهي أقدم من لايش المذكورة في سفر القضاة، والدليل على قِدمها هو أن كلمة «أردن» مؤلفة من كلمتي «أور» أي نهر، و«دان» أي القضاء. فسُمِّيت الجهة المذكورة في تكوين 14:14 وفي تثنية 34: 1 باسم «دان». ويكون أن موسى أطلق اسم دان على جهات كثيرة. أما لايش التي استولى عليها سبط دان وسماها باسم أبيهم فهي غير تلك الجهة. وكان أجدر بالمعترض أن يتحرى ويدرس قبل أن يتَّهم كتاب الله بالتحريف!
قال المعترض: «جاء في تكوين 14:14 أن لوطاً هو أخو إبراهيم، بينما جاء في تكوين 14: 12 أنه ابن أخيه!».
وللرد نقول: لكلمة «أخ» معنى أوسع من المعنى الحرفي، فالأخ هو القريب روحياً أو جسدياً (قارن العدد 40: 14 وراعوث 4: 13). إن لوطاً هو ابن أخ إبراهيم (تكوين 11: 31) ولكن لما حدث الهجوم على لوط أسرع إبراهيم في تقديم العون له لأنه «أخوه» أي قريبه.
قال المعترض: «ورد في تكوين 15: 13 «فقال الرب لأبرام: اعلَمْ يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرضٍ ليست لهم ويُستعبَدون لهم، فيذلونهم 400 سنة». وورد في الخروج 12: 40 «وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت 430 سنة». فبين الآيتين اختلاف ثلاثين سنة، إما سقط من الأولى أو زيد في الثانية».
وللرد نقول: (1) لا زيادة ولا نقصان ولا اختلاف ولا تناقض، فالنبي في سفر التكوين أخذ في الاعتبار زمن الوعد الذي وعد الله به إبراهيم من أنه يرزقه بابن هو إسحاق. ومن وقت مولد إسحاق إلى خروج بني إسرائيل من مصر 400 سنة. أما في سفر الخروج فقد أخذ النبي في الاعتبار وقت تغرُّب إبراهيم من وطنه طاعةً لأمر الله، وهي مدة 430 سنة. فاختلاف المدة لاختلاف الاعتبارات.
فمن دعوة إبراهيم (أعمال 7: 2) إلى انتقاله من حاران (تكوين 12: 5) 5 سنين. وأقام إبراهيم في كنعان 25 سنة ثم ولد إسحاق (تكوين 21: 5). ولغاية ولادة يعقوب 60 سنة (تكوين 25:25، 26)، و13 سنة إلى أن هاجر إلى مصر (تكوين 46: 2، 3 و47: 28). وأقام بنو إسرائيل في مصر 210 سنوات. فمجموع هذه السنين 430 سنة. فإذا طرحنا منها السنوات الخمس التي أقامها إبراهيم في حاران، وخمس وعشرين سنة إلى أن وُلد إسحاق كان الباقي 400 سنة كما في تكوين 15: 13. وقال الرسول بولس في غلاطية 3: 17 إن المدة من وعد الله لإبراهيم إلى إعطاء الشريعة هو 430 سنة (تكوين 12: 1-5).
(2) أما القول في الخروج 12: 40 إن إقامة بني إسرائيل في مصر كانت 430 سنة، فواضح أنه عندما يُذكر شيئان مرتبطان، يُكتفى بأحدهما عن الآخر. والمقصود في سفر الخروج هو إقامة بني إسرائيل في مصر وفي كنعان أيضاً، والدليل على ذلك أن الرسول بولس قال إن ابراهيم وذرِّيته أقاموا في أرض الموعد كأنهم في أرض غريبة، أي أنهم تغربوا في أرض كنعان (عبرانيين 11: 9).
(3) أما اقتصار الخروج 12: 40 على ذكر مصر، فسببه أن مصر كانت مظهر آيات الله ومراحمه على بني إسرائيل، فقد سامهم فيها المصريون سوء العذاب، فأنقذهم الله بمعجزاته، حتى أن تعبهم في أرض كنعان لم يكن شيئاً يُذكر بالنسبة إلى عذابهم في مصر. فاقتصر سفر الخروج على ذكر مصر تنبيهاً لبني إسرائيل على مراحم الله التي لا تُستقصى. وقد أضاف مترجم التوراة إلى اللغتين السامرية واليونانية في ترجمة خروج 12: 20 كلمة «كنعان» و«آباؤهم» من باب الشرح، فجاءت الترجمة تقول «وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها (وآباؤهم) في مصر و(كنعان) فكانت 400 سنة». ولكن الأصل العبري باقٍ على أصله.
قال المعترض: «ورد في تكوين 17: 8 «وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً، وأكون إلههم». وهذا خطأ، فلا كل أرض كنعان أُعطيت لإبراهيم، ولا كانت لنسله ملكاً أبدياً، وقد وقعت فيها انقلابات كبيرة، ومضت عليها مدة طويلة وهي تحت حكم غير بني إسرائيل».
وللرد نقول: (1) جاءت نبوَّة تكوين 17: 8 عندما كان إبراهيم بلا نسل، وهذا شرط مهم في صحتها، فوعد الله إبراهيم أن يكون إلهاً له ولنسله، الذي سيُكثِره ويباركه بالبركات الأرضية، فيعطيهم أرض كنعان ملكاً لهم إلى الأبد. وتمَّم الله وعده فنمت ذرية إبراهيم (خروج 1: 7، 9، 12 وعدد 23: 10 وتثنية 1: 10، 11) وأعطاهم الله أرض كنعان وأذل أعداءهم وفضّلهم على العالمين. ولكن لما انحرفوا عن شريعته وعبدوا الوثن، أزال مُلكهم لأنه اشترط دوام بركاته عليهم بأمانتهم لعهده. إن الله أمين مع البشر، غير أن الناس هم المتمردون. فلو أبقاهم وهم في حالة العصيان والشر والطغيان لكان ذلك منافياً لقداسته.
وقد حقَّق الله وعده لإبراهيم (انظر سفر العدد 22 وتثنية 2 ويشوع 3) فتمتَّع بنو إسرائيل بهذه الأرض نحو ألف سنة، بعدها ضلَّ بنو إسرائيل عن عبادة الرب وانغمسوا في عبادة الوثن، فأسلمهم الله إلى الأشوريين فسبوا منهم عشرة أسباط عام 722 ق م، بعدها سبى البابليون السبطين الآخَرين عام 586 ق م، وأعلن الله أن هذا السبي سيكون لمدة 70 سنة، بعدها أعادهم إلى أرضهم. ولما رفضوا المسيح وصلبوه، حكم الله عليهم بخرابٍ أعظم ابتدأ على يد تيطس الروماني الذي هدم هيكلهم عام 70م.
واضحٌ إذاً أن الله أعطى الأرض لإبراهيم ولنسله الروحي الذي يؤمن بالرب كما آمن هو، ويطيع الرب كما أطاعه هو. فليس كل نسل إبراهيم الجسدي مؤمنين مثله.
(2) قد يُراد بقوله «أُعطيك هذه الأرض إلى الأبد» إشارةً إلى النعيم في السماء، لأن أرض كنعان كانت تشير إليه، كما قيل في عبرانيين 11: 8، 9 «بالإيمان تغرَّب في أرض الموعد كأنها أرض غريبة، ساكناً في خيام مع إسحاق ويعقوب الوارثَيْن معه لهذا الموعد عينه، لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله».
قال المعترض: «جاء في تكوين 17: 20 «وأما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً. اثني عشر رئيساً يلد وأجعله أمة كبيرة». وقوله «اثني عشر رئيساً يلد» نبوَّة عن الاثني عشر إماماً».
وللرد نقول: نقرأ في تكوين 25: 13-16 أن هذا الوعد قد تمَّ، ونقرأ فيه أسماء الاثني عشر رئيساً الذين وُلدوا لإسماعيل. وتقول آية 16«هؤلاء هم بنو إسماعيل وهذه أسماؤهم بديارهم وحصونهم، اثنا عشر رئيساً حسب قبائلهم».
قال المعترض: «يقول تكوين 18: 17 إن الرب ظهر لإبراهيم، بينما يقول في عبرانيين 13: 2 إن الذين ظهروا لإبراهيم كانوا ملائكة. وهذا تناقض».
وللرد نقول: ورد في تكوين 18 أن ثلاثة رجال زاروا إبراهيم، هم ملائكة ظهروا له بشكل رجال، توجَّه اثنان منهم إلى سدوم وعمورة لتوقيع عقوبة الدمار على المدينتين. أما أولهم وقائدهم الذي تولى الكلام مع إبراهيم فقد كان صاحب المكان المتميّز، وقد سجد له إبراهيم ودعاه «يا سيد» (تكوين 18: 2، 3). ومنه طلب إبراهيم العفو عن سدوم وعمورة، قائلاً «شرعتُ أكلّم المولى» (تكوين 18: 27). وعرف هذا »المولى« أن سارة قد ضحكت في باطنها (تكوين 18: 12)
فرواية التكوين توضح أن الرب «السيد» و«المولى» هو الذي سجد له إبراهيم. ورواية العبرانيين تتحدث عن ظهور الرجال الثلاثة في شكل ملائكة. وكلاهما صحيح.
قال المعترض: «في تكوين 18: 21 يقول الرب «أنزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الآتي إليَّ، وإلا فأعلم». كيف لا يعلم الله إلا إذا نزل؟!».
وللرد نقول: الحديث عن الله باللغة التي تُستعمل عن الإنسان كثير في الكتب المقدسة بهدف تقريب الفكرة للناس، والمقصود أن الله اقترب من شعبه ليسمع صراخهم، وهو حديث مجازي بالطبع، فالله عالم بكل شيء ويدير الكون كله بقدرته التي تعجز الكلمات البشرية أن تصفها.
راجع تعليقنا على تكوين 6:6، 7.
ولا شك أن الله قادرٌ أن يختار الطريقة التي يظهر بها للبشر، في صورة ملاك أو إنسان. ولو شاء لجعل الرجل ملاكاً والملاك رجلاً، فهو فعّالٌ لما يريد. لقد ظهر المولى لإبراهيم في صورة ملاك على هيئة رجل، فيقول الوحي «فظهر له الرب» (تكوين 18: 1) وقال لإبراهيم «هل أُخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟» (تكوين 18: 17). وظهر ليعقوب في صورة إنسان صارع يعقوب، ولما عرف يعقوب قوة المصارع طلب منه أن يباركه (تكوين 32: 22-29). وظهر الرب لموسى بلهيب نار في وسط شجرة العلَّيق، فمال موسى ليرى المنظر العجيب، فناداه الله من وسط العليقة وقال له «اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقفٌ عليه أرض مقدسة، فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله» (خروج 3: 1-6). وقد ظهر الله في المسيح، متجسِّداً في صورة إنسان، و«عظيمٌ هو سرُّ التقوى: الله ظهر في الجسد» (1تيموثاوس 3: 16). وقال لنا «الذي رآني فقد رأى الآب» (يوحنا 14: 9).
قال المعترض: «تزوج الإخوة أخواتهم في عهد آدم، وتزوج إبراهيم أخته كما جاء قول إبراهيم عنها في تكوين 20: 12 «هي أختي ابنة أبي، غير أنها ليست ابنة أمي، فصارت لي زوجة». وهو محرَّم كما في لاويين 18: 9، 20: 17 وتثنية 27: 22 فحدث نسخ. اللاويين نسخ التكوين».
وللرد نقول: لم يوحِ الله لآدم ولا لإبراهيم بشريعة تسمح بزواج الأخ من أخته ثم حرم هذا بعد ذلك في شريعة موسى، وقد تزوج الإخوة أخواتهم قبل نزول الشريعة، فتزوج إبراهيم بأخته من غير أمه. ولم يأتِ موسى بشريعة تسمح بزواج الأخت ثم نسخها، وإنما كان هذا الزواج من العادات التي اصطلح عليها القدماء قبل شريعة موسى. فلا يوجد ناسخ ولا منسوخ.
قال المعترض: «جاء في تكوين 22: 1 «وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم. فقال الله: يا إبراهيم، فقال. ها أنا ذا». ولكن جاء في رسالة يعقوب 1: 13 «لا يقُلْ أحدٌ إذا جُرِّب: إني أُجرَّب من قِبَل الله، لأن الله غير مُجرَّب بالشرور وهو لا يجرب أحداً». كيف يقول إنه يجرِّب، ثم يقول إنه لا يجرب؟».
وللرد نقول: (1) للتجربة معنيان أحدهما صالح، والآخَر رديء. فالمعنى الصالح هو امتحان الإنسان أو فحصه لتظهر نيَّات قلبه فيرى الناس برهاناً عملياً على حقيقة أخلاقه. أما المعنى الرديء فهو إغواء الإنسان وإسقاطه في الشر لإهلاكه. فكل الضيقات التي يسمح الله بوقوعها علينا يمكن أن نسمّيها امتحانات وتجارب يُقصد بها خيرُنا، فيليق بنا والحال هذه أن نرحِّب بها ونقبلها. ويعقوب الذي يقول إن الله لا يجرب أحداً، يقول في فاتحة رسالته: «احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة، عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً» (يعقوب 1: 2، 3). فمن هذا النوع كانت تجربة الله لإبراهيم وامتحانه بأن يقدِّم ولده ذبيحة، فبرهنت طاعته صِدْق إيمانه.
(2) أما المعنى الآخر للتجربة فهو مساعي الشيطان المستترة لإيقاع الأذى بالناس. وقول الرسول يعقوب إن الله لا يجرّب أحداً يقصد به أن الله لا يجرِّب أحداً أن يخطئ، أي يجرّه إلى الشر لجلب الشقاء عليه. وقد علّمنا المسيح أن نتلو الطلبة السادسة من الصلاة الربانية «لا تُدخِلنا في تجربة». وهي توسُّلٌ إلى الله أن يهدينا سواء السبيل بحيث يفشل أعداؤنا الروحيون في مساعيهم التي يقصدون بها جذبنا إلى الخطية. فنقول: «ارشدنا يا الله وقُدْنا حتى لا يجد الشيطان سبيلاً إلى وضع عثرة في طريقنا». هذه الطلبة السادسة تشرح قول الرسول يعقوب إن الله لا يجرب أحداً.
قال المعترض: «في امتحان الله لإبراهيم ناسخٌ ومنسوخ، فبعد أن أمر الله إبراهيم أن يقدم ابنه محرقة (تكوين 22: 2)، نسخ ذلك بتقديم الكبش عوضاً عن ابنه».
وللرد نقول: نورد ملخص قصة امتحان الله لإبراهيم كما وردت في تكوين 22، فقد امتحن الله إبراهيم لما أمره أن يذبح ابنه، فأطاع الأمر. ولما شرع في ذلك أمره الله أن يمتنع، ودبَّر له كبشاً قدَّمه عِوضاً عن ابنه، فوعده الله أن يباركه ويبارك نسله. والقصد من امتحان الله لإبراهيم أن يُظهر للجميع إيمان إبراهيم بالله ومحبته له، وأن طاعة الأمر الإلهي كانت عنده أفضل حتى من ابنه وحيده، وليُظهر أن الله لا يتخلى عن محبيه المتكلين عليه. فلو لم يمتحنه الله هكذا، لما عرف أحدٌ مقدار إيمان إبراهيم وتقواه.
قال المعترض: «نقرأ في تكوين 22: 2 أن الله أمر إبراهيم «خُذ ابنك وحيدك الذي تحبُّه إسحاق وأصعِدْه محرقةً على أحد الجبال الذي أقول لك». ألا يُفهم من هذا أن عبادة الله تتساوى مع العبادة الوثنية في طلب الذبائح البشرية؟».
وللرد نقول: لم يكن قصد الله أن يُذبَح إسحاق، بل أن يُمتحَن إيمان إبراهيم. وفور نجاح إبراهيم في برهنة حبه لله دبَّر الله الفداء العظيم بالكبش المُمسَك بقرنيه في الغابة. فلم يكن تقديم إسحاق ذبيحة أمراً وارداً، ولا كان الله يمتحن إسحاق، لكنه كان يمتحن طاعة إبراهيم. ربما يكلّف أب ولده أن يحمل ثقلاً يعلم أن ولده لن يقدر أن يحمله، وهو لا يريده أن يحمله، لكنه يريد أن يختبر طاعة ولده.
ولقد جاز إبراهيم الامتحان بنجاح، لأنه كان يعلم أنه حتى لو ذبح ولده فسيُقيمه الله من الموت ويعيده إليه، حتى أن إبراهيم وهو صاعد للجبل لتقديم ابنه قال لخادميه «أنا والغلام نذهب ونسجد، ثم نرجع إليكما» (تكوين 22: 5).
قال المعترض: «يذكر تكوين 22: 12 قول الله لإبراهيم «لا تمدَّ يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمتُ أنك خائفُ الله، فلم تُمسك ابنك وحيدك عني».