الإصحاح الحادي عشر
آية (1): "موازين غش مكرهة الرب والوزن الصحيح رضاه."
الغش يشير لعدم استقامة القلب مع الله. ولنعلم أننا إنما نعامل الله، إذاً الأمانة تجاه البشر هي أمانة تجاه الله. ولنلاحظ أنه إذا خدعنا إنسان فنحن نخطئ إلى الله والله سيحمي هذا الإنسان من شرورنا وخداعنا.. من الخطر أن نسلك بحسب ذكاء العالم.
آية (2): "تأتى الكبرياء فيأتي الهوان ومع المتواضعين حكمة."
الكبرياء خطية غير مقبولة من الله تماماً، بل أن الله يسكن عند المتواضع (اش15:57) ومن يسكن الله عنده تسكن عنده الحكمة. وكيف يتكبر الإنسان الترابي وهو يعتمد على الله في كل شئ.
آية (3): "استقامة المستقيمين تهديهم واعوجاج الغادرين يخربهم."
تهديهم= الروح القدس يهدي ويرشد المستقيم. أما المعوج فهو يحزن الروح ويطفئه وبالتالي لا يجد إرشاد من الروح فيضل وتكون النتيجة خرابه.
آية (4): "لا ينفع الغنى في يوم السخط أما البر فينجي من الموت."
يوم السخط= يوم يصيب الله جام غضبه على الخاطئ سواء على الأرض أو في الحياة الأخرى بعد الموت. والغِنَي لا يحمي صاحبه بل قد يكون سبباً في آلامه في يوم السخط (حز19:7).
الآيات (5،6): "بر الكامل يقوم طريقه أما الشرير فيسقط بشره. بر المستقيمين ينجيهم أما الغادرون فيؤخذون بفسادهم."
أن يسلك الإنسان في طريق البر فهو بذلك يضمن أن يكون في أمان، وحتى إن كانت له سقطات وضعفات فالله سيقوم طريقه= بر الكامل يقوم طريقه. أما من يسلك في الشر فستكون عقوبته هي شره نفسه. مثال: الزاني عقوبته أمراض الزنا وفضائح خطيته. والله ينجي المستقيم (استير/ مردخاي/ دانيال.. ) ويسقط الأشرار مكانهم (هامان.. ) ونلاحظ نجاة الشعب من الغرق في البحر الأحمر وغرق المصريين في البحر وهم الأقوي.
آية (7): "عند موت إنسان شرير يهلك رجاؤه ومنتظر الآثمة يبيد."
ما هو رجاء الشرير؟ الشرير يأمل في إمتلاك شهوات وغنى هذا العالم، فإذا مات الشرير تهلك شهواته وكل ما اكتنزه على الأرض. ومنتظر الأثمة سيبيد= ما الذي ينتظره الأثيم؟ بنفس المنطق فهو يجري وراء شرور العالم وهي ستبيد بالنسبة للأثيم عند موته، أو ستبيد تماماً عند فناء هذا العالم. إلا أن أصل الكلمة "منتظر الأثمة" يشير للرجاء المؤسس على القوة البشرية ومثل هذا الرجاء لابد وسيخزى ويبيد.
آية (
: "الصديق ينجو من الضيق ويأتي الشرير مكانه."
راجع قصة استير ومردخاي وهامان والشعب وفرعون ودانيال ومن وشوا به.
آية (9): "بالفم يخرب المنافق صاحبه وبالمعرفة ينجو الصديقون."
المنافق بفمه المعسول يخدع صديقه ويغويه بكلماته فينقاد وراءه وفي هذه الحالة سيخرب المنقاد، أما الذي يعرف الله فسيكتشف خداعات إبليس ومن يعمل إبليس بواسطتهم ويرفض الإنقياد للمنافق فينجو.
آية (10): "بخير الصديقين تفرح المدينة وعند هلاك الأشرار هتاف."
الشعب فرح بصعود داود (راجع 1أي12). وفرح الشعب بهلاك أبيمالك (قض9). ولا ننكر أن هناك بعض الأشرار الذين يحسدون الأبرار على نجاحهم. ولكن الكلام هنا عن الأغلبية، فالأغلبية تفرح بنجاح البار، فالرجل الصالح لا يختلف عليه غالبية الناس.
آية (11): "ببركة المستقيمين تعلو المدينة وبفم الأشرار تهدم."
ببركة المستقيمين تعلو المدينة= قيل في سيرة الأنبا بولا "السنكسار يوم 2 أمشير" "أنه بصلاته ينزل الرب المطر والندى على الأرض ويأتي بالنيل في حينه". ونلاحظ أنه لو كان قد وُجِدَ في سدوم عشرة أبرار لما كان الله قد أهلك المدينة. بفم الأشرار تُهدم فالشرير بفساده يفسد المدينة كلها ويعلمها الشر فيجلب عليها غضب الله.
آية (12): "المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم أما ذو الفهم فيسكت."
ما الموقف الذي يجب أن يتخذه الشخص إن أخطأ إليه أحد؟ هنا موقفين:-
الأول: أن يقابل الإهانة بإهانة ويثور ويحتقر من أخطأ إليه، ولكنه بهذا سيقدم وقوداً لنيران كراهية جديدة. فالردود العنيفة تجلب عنفاً أكثر= المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم.
الثاني: ذو الفهم يسكت= فالمسيح إذ شُتِتمَ لم يكن يشتم عوضاً (1بط23:2). وداود لم يرد على شمعي. وكم من مشكلة انتهت إذ احتمل الإنسان إهانته في صمت.
آية (13): "الساعي بالوشاية يفشي السر والأمين الروح يكتم الأمر."
رادع قصة أبو مقار حين ستر على الأخ الزاني.
آية (14): "حيث لا تدبير يسقط الشعب أما الخلاص فبكثرة المشيرين."
أحكم الناس يحتاج أن يتشاور مع الآخرين (على أن يكونوا حكماء)، أما أن يعتمد أحد على رأيه الشخصي دون تشاور فهذه حماقة (راجع قصة رحبعام وإنشقاق مملكة إسرائيل).
آية (15): "ضرراً يضر من يضمن غريباً ومن يبغض صفق الأيدي مطمئن."
راجع (1:6-5) والمسيح صار ضامناً لعهد أفضل (عب22:7).
آية (16): "المرأة ذات النعمة تحصل كرامة والأشداء يحصلون غنى."
قوة الرجل وغناه يكونان لكرامته، وفي المقابل فهدوء المرأة ووداعتها يكونان لكرامتها (أبيجايل/ راعوث). فالمرأة الهادئة الوديعة تكون محل تكريم الجميع.
آية (17): "الرجل الرحيم يحسن إلى نفسه والقاسي يكدر لحمه."
الإنسان الرحيم يبتعد عن الانتقام لنفسه وعن المشاكل فيحيا في هدوء، بل هو يهتم بالآخرين، يشفق عليهم ويرحمهم، ومن يهتم بالآخرين يهتم به الله= يحسن إلى نفسه ونرى بركة الله لاسحق (تك26) حين ابتعد عن المنازعات. أما الإنسان القاسي فهو كثير المشاكل وكثير الشجار، يضع نفسه في مشاكل كثيرة بعنفه، وكثرة المشاكل تجعل نفسه دائماً مرة ووجهه مكتئب فهو يجلب أتعاباً على نفسه= يكدر لحمه. الإنسان القاسي يقول أنه يعرف كيف يأخذ حقه بذراعه لذلك يتركه الله لذراعه (يوآب).
الآيات (18-21): "الشرير يكسب أجرة غش والزارع البر أجرة أمانة. كما أن البر يؤول إلى الحياة كذلك من يتبع الشر فإلى موته. كراهة الرب ملتوو القلب ورضاه مستقيمو الطريق. يد ليد لا يتبرر الشرير أما نسل الصديقين فينجو."
الشرير يكسب أجرة غش= أي أجرة الشرير مخادعة فهي ستزول سريعاً، فكل ما يعمله الشرير ويبنيه فكأنه يبني على الرمال، سريعاً ما سينهار مع أول عاصفة. ولقد صوَّر حجي النبي أجرة الشرير كمن يضعها في كيس مثقوب (6:1). والعكس لمن يبني على أساس البر فمكافأته أكيدة. البر يؤول إلى الحياة= فمن يعيش في سلام داخلي تطول أيامه. يد ليد لا يتبرر الشرير= أي لو إتحد الأشرار معاً وتآلفوا فهل تبعد عنهم دينونة الله؟ أو هل هو عذرٌ كافي أن يقول الخاطئ "الكل بيعمل كده"، أو هل يظن الأشرار أن كثرة عددهم ستحميهم من عقاب الله؟! أبداً فأنه لا يتبرر الشرير. ونسل الصديقين فينجو= لأن الله يكرم من أكرموه وسيكون أميناً مع الصديقين فيحفظ أولادهم ويحفظ وعوده، كما فعل مع إبراهيم ونسله (رو28:11). وحفظ الله كرسي يهوذا لأجل داود.
آية (22): "خزامة ذهب في فنطيسة خنزيرة المرأة الجميلة العديمة العقل."
فنطيسة= أنف. شئ غير متجانس ويدعو للسخرية أن نضع خزامة ذهب في أنف خنزيرة. وهكذا المرأة الجميلة إذا كانت بلا عقل. والعقل يشمل الحياة الروحية والنعمة والحكمة التي يسكبها الله على أولاده (هكذا كانت أبيجايل).
آية (23): "شهوة الأبرار خير فقط رجاء الأشرار سخط."
قلب الأبرار يمتلئ بأفكار مقدسة والله يعطيهم أكثر مما يفتكرون، أما رجاء الشرير= أي ما يأمله ويشتهيه فهو خطايا ونجاسة وسيكون هذا دينونة له.
الآيات (24،25): "يوجد من يفرق فيزداد أيضاً ومن يمسك اكثر من اللائق وإنما إلى الفقر. النفس السخية تسمن والمروي هو أيضاً يروى."
قارن مع (2كو6:9،7). فالمحسن يعطي ويزداد. والمحسن هنا تنطبق على النواحي المادية والروحية. فمن يخدم الآخرين ومن يصلي للآخرين يعطي ويزداد.
آية (26): "محتكر الحنطة يلعنه الشعب والبركة على رأس البائع."
من يخفي الطعام حتى يرتفع سعره فيغتني على حساب جوع الفقراء بل ربما موتهم (وهكذا كما يحدث أن تخفي صيدلية نوع من الدواء ليرتفع سعره)، أو خادم يخفي بركة أعطاها له الله حتى لا يستخدمها خادم آخر وتنسب له، عموماً كل من يمنع بركة يملك أن يعطيها لمحتاج فلا يعطيها يقطع الله عنه بركاته. والعكس فمن يعطي([*]) يعطيه الله بكثرة وتظهر بركة الله في حياته= البركة على رأس البائع= على رأسه أي ظاهرة في حياته.
آية (27): "من يطلب الخير يلتمس الرضا ومن يطلب الشر فالشر يأتيه."
من يطلب الخير للآخرين يلتمس الرضا من الله، بل يرضى عليه الناس. ومن يطلب الشر للآخرين فالشر يصيبه هو نفسه.
آية (28): "من يتكل على غناه يسقط أما الصديقون فيزهون كالورق."
المتكلون على أموالهم (راجع لو18:18-27 + مر24:10 + 1تي17:6-19).
آية (29): "من يكدر بيته يرث الريح والغبي خادم لحكيم القلب."
من يكدر بيته= من يتسبب في أن يكون أهل بيته في آلام وضيقات مستمرة بسبب سوء سلوكه أو بتبذير أمواله أو سوء تربيته لأولاده. يرث الريح= أي كمن يصير لا شئ فهو إمتلك هواءً وذلك لأن الكل سينفض عنه يوماً ما. الغبي خادم الحكيم القلب= فمهما ارتفع الغبي وارتفع مقامه، فهو لن يستطيع أن يرتفع أمام من فيه حكمة المسيح (دانيال وبيلشاصر/ بولس وفستوس). وهكذا علينا أن نطيع الله ونخدمه فنحن أمام الله أغبياء وحكمته غير محدودة، فهل نعترض على مشيئته.
آية (30): "ثمر الصديق شجرة حياة ورابح النفوس حكيم."
ثمر الصديق شجرة حياة= حياة أولاد الله ورسله وخدامه هي شجرة حياة ثمارها تعطي حياة وإيمان لمن لم يعرف المسيح (أع48:13). فالحكماء الحقيقيين هم مجاري بركة لكل الناس حولهم فيجذبونهم وتكون حياتهم نموذج يحتذى وقدوة تجذب الآخرين. لذلك ينبهنا بولس الرسول بقوله "أنتم سفراء والمسيح يعظ بكم" رابح النفوس= هكذا كان بولس الرسول (1كو19:9-23).
آية (31): "هوذا الصديق يجازى في الأرض فكم بالحري الشرير والخاطئ."
هذا النص أخذه بطرس الرسول في (1بط17:4،18) ولكنه أخذه عن الترجمة السبعينية (صلاة الغروب). وقارن مع (لو31:23).