كيف يحتفل الفقراء بالعيد؟
بقلم : البابا شنودة الثالث
إننا نري علامات الاحتفال بالعيد ومظاهر ذلك في كل مكان. ولعل في مقدمة ذلك ما تقوم به وسائل الإعلام من مظاهر وأخبار الفرح بالعيد: سواء ما تقدمه الإذاعة والتليفزيون, وما تقدمه الجرائد والمجلات, من مقالات وأخبار. وما قدمه رجال الفن خلال شهر رمضان من مسلسلات بذلوا فيها كل جهدهم لإفراح الناس. ولا ننسي المجهودات التي بذلتها عدة وزارات كالتجارة والتموين والمالية وغيرها لتوفير المواد التي يحتاج إليها الناس, وأعني القادرين علي شرائها.. وقد احتفل رجال الدين بالعيد ببرامجهم الدينية الخاصة.. واحتفلت هيئات كثيرة في أيام عطلات كل ذلك فرحا بالعيد.
ووسط كل ذلك يبرز هذا السؤال الهام: كيف يحتفل الفقراء بالعيد أو كيف يفرح الفقراء بالعيد؟ والفقراء علي درجات: نذكر من بينها المعدمين, والمعوزين, والذين ليس بمقدورهم استيفاء احتياجات الحياة الأساسية والضرورية.. كيف يفرح هؤلاء بالعيد؟ وكيف يكون العيد بالنسبة لهم أياما غير عادية من البهجة والمتعة؟! وإن حاولت الدولة بمجهودات كثيرة أن توفر الطعام في أيام العيد لمن يقدر علي شرائها, ماذا نقول إذن عما يريده أطفال هؤلاء الفقراء من ملابس جديدة في العيد تكون مظهرا لفرحهم, وأيضا ما يريدونه من لعب لا تكتمل فرحة العيد بدونها؟!.. أم سينظر كل هؤلاء إلي الأغنياء في متعهم وترفيهاتهم, مقارنين بين حالهم هم وحال أولئك.
إنني اقترح صرف علاوات مالية معينة في مناسبة كل من الأعياد الكبيرة عند المسلمين أو المسيحيين لكي تغطي نفقات أعيادهم ولا تشعرهم بجزء من العوز في أعيادهم أو بلون من المقارنة بينهم وبين المترفهين.. كما أرجو أن تمتد يد المحبة من الأثرياء لكي تبعث روح الفرح في هؤلاء المعوزين, علي الأقل في أيام الأعياد. ولا يكتفي الأمر علي موائد الرحمن في أيام الصوم. فرحمة الله تشمل كل الأيام, الأصوام والأعياد. والرحمة لا يكفيها لقمة طعام لكي تريح الضمير بها. فاحتياجات الانسان من الرحمة تشمل أمورا عديدة جدا.
إن الاهتمام بالفقراء وبأطفالهم في أيام الأعياد إنما هو عمل روحي, وعمل وطني, وعمل اجتماعي.. لا يفوتنا ذلك كمواطنين وكإخوة.. ويمتد بنا إلي حالة كل هؤلاء في غير أيام الأعياد أيضا. ويتعمق بنا الأمر فلا نقول كيف يحتفل الفقراء بالعيد, إنما نقول بالأكثر كيف يفرح هؤلاء الفقراء بالعيد؟ وما هو واجب الدولة حيالهم؟ وواجب الهيئات والأفراد؟
وإن كنا نناقش ما يجب أن يعمل من أجلهم, فبالأكثر ما أشد دينونة وعقاب الذين ـ بدلا من إراحة الفقراء ـ نجدهم يحتكرون الأسواق, ويبالغون في رفع الأسعار, فيتحمل الفقراء ثقلا فوق ثقل, بسبب جشع إخوة لهم في المواطنة!!
وإن كنا نقول كل هذا بمناسبة عيد الفطر الذي تحتفل به بلادنا, فهناك أعياد أخري أيضا تمر علي الفقراء ونسأل كيف يحتفلون بها أو كيف يفرحون فيها؟ ويبقي السؤال محتاجا إلي جواب.. إن كانت الحياة العادية لا يقدرون عليها, فكم بالأولي أيام الاحتفالات؟! إن الأمر يحتاج إلي توفيق عميق بين متطلبات الحياة وسداد تكاليفها.
إن كنا حاليا نتحدث عن مشكلة الفقراء العاديين وكيف يحتفلون بالعيد, فماذا نقول إذن عن الفقراء المرضي الذين عليهم أعباء ضخمة من تكاليف المرض والعلاج وارتفاع اسعار الأدوية, وعدم القدرة علي الصرف, وبخاصة قد يحتاج الأمر أحيانا إلي عمليات جراحية فوق مقدور الشخص العادي, ولا تستطيع أن تغطيها تأمينات من الدولة!!
ما موقف هؤلاء المرضي الفقراء سواء في الأيام العادية أو أيام الأعياد بالأكثر؟ وما موقفنا نحن منهم؟ وهل نكتفي بمجرد كلمة طيبة نقولها دون أي عمل؟! أم نكتفي بمجرد الدعاء ونتركهم إلي الله وهو أرحم الراحمين.
إن عبارة كيف يحتفل هؤلاء بالعيد قد تشمل كثيرين, وليس الفقراء فقط, ولا المرضي فقط. إنها تشمل أيضا المشردين من أمثال أطفال الشوارع هؤلاء الذين خلقهم الله لا لكي يكونوا أولادا للشوارع, إنما لكي يحتضنهم المجتمع, ويعطيهم مما أعطاه الله, أو ما يريد الله أن يعطيه لكل فرد من خليقته.
وعبارة كيف يحتفل هؤلاء بالعيد تشمل أيضا الذين في السجون. فإن كانت عبارة تهذيب وإصلاح تطلق علي السجن, فمن الممكن أن فترة العيد تنال بركة من هذه العبارة.
بعيدا عن الهيئات الكثيرة التي يمكن ان نسأل عن حالتها في يوم العيد, نود أخيرا أن نسأل عن موقف المترفهين في أيام العيد, الذين ينظرون إلي أنفسهم فقط كيف يقضون تلك المناسبة في بهجة وفرح وفي رفاهية ومتعة, غير ناظرين إلي أخوتهم الذين يعيشون معهم في نفس البلد كيف هم.
نقول لهؤلاء إن الله لم يخلق الدنيا لهم وحدهم وإنما لهم ولغيرهم. وإن الله قد أعطاهم لكي يعطوا. وبقدر ما هم يعطون, تزداد عطية الله لهم بالأكثر, ويفتح لهم كوي السماء لكي تفيض عليهم. فعليهم أن يشركوا غيرهم في ما قد رزقهم الله. بل إن أحد القديسين قال عبارة جميلة هي: إذا لم يكن لك ما تعطيه لهؤلاء الفقراء, فصم وقدم لهم طعامك. كم بالأكثر إذن إن كان عندك ما يكفيك وما يفيض عنك.. ليتنا إذن في يوم العيد ننظر إلي غيرنا من المحتاجين ونشعر بفرح عميق حينما نراهم يفرحون معنا ولا يقضون يوم العيد في عوز أو احتياج.