: مقالات قداسة البابا شنودة
مابين الداخل والخارج
________________________________________
ما بين الداخل والخارج
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
جريدة الاهرام
تاريخ5/11/2009
الحياة الروحية الحقيقية ليست مجرد مظاهر خارجية. إنما العمل الروحى يكون فى حقيقته فى داخل العقل والقلب، فى المشاعر والنيَّات والأحاسيس. وإذا كان قوياً فى الداخل، فمن الطبيعي أن تظهر ثماره فى التصرفات الخارجية.
أما البِرّ الذى من الخارج فقط فقد يكون رياءً. فقد يقوم البعض ببعض أعمال البِرّ من الخارج، وفى داخله حُب الخطية. إنه قد يفعل الخير خوفاً من إنتقاد الناس. وقد يبعد عن الخطيئة خوفاً من عقوبة المجتمع أو من عقوبة القانون. أو يمتنع عن الخطيئة أمام الناس خجلاً. أو يقوم بعمل البِرّ من أجل كسب مديح الناس، وليس من أجل محبة اللَّه ومحبة الخير. أو قد يعمل الخير مجاراة وتقليداً لتيار المجتمع ... وهو فى كل ذلك غير مقتنع من الداخل، وربما هو مُحرج لا يستطيع أن يقول لا!!
?? إن الفضيلة ليست في مجرد عمل الخير، إنما هى أصلاً في محبة الخير. إنما في محبة الخير من داخل القلب، حتى لو كانت هناك موانع للتنفيث. فاللَّه يكافئ هذا الإنسان على محبته للخير حتى إن لم يتمكن من فعله عملياً لأسباب خارجة عن إرادته. فمثلاً الذين يقدمون عطاياهم للفقراء يكافئهم اللَّه. وأيضاً يكافئ الذين يريدون أن يقدموا وليس لهم. فيأخذون البركة على مجرد النية أو الرغبة الداخلية مادام هناك عائق يمنع الممارسة الفعلية. ونحن نعرف أن الله يفحص القلوب، ويعرف مدى صدقها، ومدى إلتزامها إذا اتيحت الفرصة للعمل.
?? والإنسان البار من الداخل قد تحاربه من الخارج حروب روحية سواء من الشيطان أو من الناس الأشرار، أو من عثرات المجتمع. ولكنه فى كل ذلك ينتصر، لأن قوة بره الداخلية تكون أقوى من الحروب الخارجية. ومثالنا لذلك يوسف الصديق: كان قوياً في الداخل ولمَّا ألحت عليه الخطية من الخارج، استطاع أن يرفضها وينتصر. ومثالنا أيضاً كثرة الحروب الخارجية التي تعرَّض لها شهداء الإيمان، وأيضاً ما عُرِض عليهم من إغراءات كثيرة لكي ينكروا إيمانهم، ولكنهم رفضوا كل ذلك لأن الإيمان القوي الموجود في قلوبهم كان أقوى من التعذيب وأقوى من الإغراء.
?? أمَّا الإنسان الضعيف من الداخل، فأمامه حربان: إمَّا أنه يسعى بنفسه إلى الخطيئة. أو إذا سعت الخطية إليه، لا يرفضها ولا يقاومها، إن الخطيئة تجد قلبه مُزيناً لها ومستعداً لقبولها، فتدخل إليه وتستريح فيه.
وفى حديثنا عن الضعف نقول إن هناك إنساناً ضعيف من الداخل، وإنساناً آخر يتسبب فى إضعاف نفسه. فما أسهل على الإنسان الضعيف أن يحاول تقويم نفسه، ولا يعتبر الضعف الذى فيه طبيعة ثابتة. ولكنه يحاول أن يتغير إلى أفضل. بعكس غيره الذى يشتهى الخطيئة، ويلجأ إلى الأسباب التى تؤدى إلى ضعفه أو تزيده ضعفاً، فيستسلم.
?? أما البار فى الداخل، فإنه مُحصَّن ضد السقوط. مهما صادمته الحروب الروحية، فإنها لا تقدر عليه. أبوابه دائماً مغلقة أمامه إذ قد أغلق أبواب فكره وأبواب مشاعره أمام كل خطية وكل شهوة. مثل هذا يستطيع أن يقاوم إبليس بكل حيله.
?? على أن الإنسان، قد تمر عليه أحياناً فترات قوة أو ضعف. فهو قد يكون قوياً ينتصر على كل اغراء وعلى كل حرب من الشيطان مهما كانت قوتها. ونفس الشخص قد تأتى عليه فترة يضعف فيها من الداخل ويسقط ... إنه نفس الشخص الذي قاوم وانتصر ثم في وقتٍ ما استسلم وسقط. على أنه في حالة ضعفه الطارئ كثيراً ما تتلقفه نعمة اللَّه وتحرسه من السقوط. أمَّا أسباب السقوط فقد تأتي من الداخل أو من الخارج. وربما الضعف الداخلي قد يأتي بالتدريج. أو قد يأتي السقوط من الداخل والخارج معاً ... مثال ذلك يهوذا: كان مثقلاً بمحبة المال من الداخل وبالخيانة أيضاً. فلمَّا أتته الفرصة من الخارج نفَّذ ما بداخله.
وقد يكون إنسان محارباً من الداخل بمحبة المديح. فإذا أتاه من الخارج تملّق بعض الناس يستسلم ويسقط.
من جهة الخوف مثلاً: ليس سببه مُجرَّد عوامل خارجية تُسبِّب الخوف. فالقلب القوي من الداخل لا يخاف، والمؤمن بحماية اللّه وحفظه له لا يخاف. والشهداء لم يخافوا من الموت لأن قلوبهم البارة كانت تشتهي محبة الآخرة مع اللّه.
كذلك القلب الذي من الداخل يكون قوياً في الإيمان، لا يمكن أن تهزّه الشكوك الخارجية. بل يكون إيمانه الداخلي أقوى من الشكوك وهكذا فإن المؤمنين الأقوياء في داخلهم استطاعوا أن يصمدوا أمام الشكوك التي يثيرها بعض رجال الفلاسفة أو العلم أو ما يثيرها بعض الملحدين والمنحرفين. إن الخارج قد يضغط ملتمساً استجابة من الداخل ... فإن لم يجد استجابة تفشل كل حيله وينصرف في خزي.
كذلك أيضاً من جهة التجارب والضيقات. إن أيوب الصديق إذ كان باراً في داخله، وحلَّت عليه تجارب شديدة ولكنه ظل محتفظاً بإيمانه.
?? من جهة الداخل والخارج: نقول إن هناك إنساناً يبدو من الخارج صائماً، وفي داخله يشتهي الطعام ويتحايل على ذلك. أمَّا الصوم الحقيقي فهو أن يكون القلب صائماً والنفس زاهدة ولا يتمسك بمُجرَّد الشكليات في الصوم .. ومن جهة العفة، فقد يمتنع الجسد عن كل أنواع الزنا، ومع ذلك قد يكون جسده عفيفاً وربما روحه تكون زانية. ومن جهة الحشمة. ينبغي أن يكون القلب مُحتشماً ولا يعتمد على مجرد مظاهر خارجية. ولذلك قال أحد القديسين إن الإنسان البار يكون محتشماً حتى وهو جالس وحده في غرفته الخاصة.
كذلك من جهة التسامح: فقد يلفظ الإنسان بكلمة " اللَّه يسامحك ". بينما لا يكون قلبه متسامحاً على الإطلاق. ولا يستطيع أن ينسى الإساءة. وإذا حدث أن المسيء إليه تعرَّض لكارثة. وقد يفرح هو بذلك في قلبه. إذن المهم أن تكون الفضيلة في الداخل ولا تكون مجرد مظاهر خارجية.
فين راح الاقي كلمه تعبر عن تمجيدي ليكِ وحُبي
لكن يكفى بانك انتِ صرتِ ياأمي أم لربي