إلتجاء حزقيا إلى الرب
إذ سمع حزقيا الملك تعييرات سنحاريب وجد فى الرب وحده ملجأ له ، مزق ثيابه ولبس المسوح ودخل بيت الرب وبعث رسلا إلى أشعياء النبى يطلب الصلاة من أجله ومن أجل تمجيد اسم الرب . تدخل الله فى المعركة بذراعه الرفيعة ، فضرب ملاك الرب جيش أشور ومات 185 ألفا ، كما مات سنحاريب وابنه شرآصر ليملك ابنه آسرحدون .
( 1 ) التجاء حزقيا إلى الله وإلى نبيه :
اختلفت الآراء حول تقدير سلوك حزقيا ، فالبعض رأى فيه الإنسان الورع التقى والمتواضع لذا اغتصب مراحم الله وإن كان فيما بعد سقط فى الكبرياء فهلك ، ويرى البعض أن ما فعله حزقيا ليس عن تقوى ولا عن إيمان لأنه بعد قليل قدم خزائن الهيكل لسنحاريب ( 2 مل 18 : 14 – 16 ) وقال له : " أخطأت " . هذا وقد لحق الملك رعبا وخوفا ، وعند حديثه كرر العبارة " الرب إلهك " إش 37 : 4 ، وليس " الرب إلهنا " أو " الهي "
نعود إلى الملك لنراه عند سماعه كلمات ربشاقى " مزق ثيابه وتغطى بمسح ودخل بيت الرب " إش 37 : 1 . كان ذلك علامة حزنه مع اتضاعه أمام الله .
أرسل حزقيا الياقيم وشبنا وشيوخ الكهنة متغطين بمسوح إلى أشعياء النبى ( إش 37 : 2 ) . لقد تغير الحال ، فبعد أن كانت القيادات المدنية والدينية تسخر بإشعياء حين كان يسير حافيا وعريانا منذرا إياهم أن فرعون ورجاله لن يستطيعوا إنقاذهم ( إش 21 ) ، الآن ها هم يأتون إليه لابسين المسوح فى مرارة يعلنون حاجتهم إلى صلواته ومشورته . أدركوا أنه " يوم شدة وتأديب وإهانة " إش 37 : 3 ، فليكن يوم توبة وصلاة .
شعروا " أن الأجنة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة " إش 37 : 3 ، من يستطيع أن يعين إلا الله خلال الصلاة ؟! لا يقدر فرعون بكل إمكانياته أن يهب المرأة الحامل قدرة على الولادة حتى متى حان وقت الطلق ... الصلاة هى " المولدة " للرحمة التى تحقق الولادة .
( 2 ) إشعياء يطمئن حزقيا
سخر إشعياء بملك أشور ورجاله ، إذ حسب رجال حربه وقواده غلمانا ، ليس لهم فهم ولا قدرة ، فلا يليق بحزقيا أن يخافهم ( إش 37 : 6 ) . أما قوله : " هانذا أجعل فيه روحا " إش 37 : 7 ، فيعنى أن الله يتركه لروح الشر الذى قبله بمحض اختياره ، يسلمه له ، فيمارس شره الذى يرتد عليه .
( 3 ) ملك أشور يعير الرب
رجع ربشاقى إلى سنحاريب ليجده قد ترك لخيش وذهب إلى لبنة ليحاربها .
سمع الملك أن ترهاقة ملك مصر وكوش ( إش 37 : 9 ) قد خرج ليحاربه فأرسل إلى حزقيا مرة أخرى يهدده طالبا خضوع أورشليم واستسلامها له ، مجدفا على الله الذى يتكل عليه .
ربما أراد الأستيلاء على أورشليم لتكون سندا له لأنه كان محاطا بأمم معادية وقد خشى من ترهاقة ملك مصر وكوش القوى .
معركتنا الروحية فى حقيقتها معركة بين الله وإبليس ، نحن ليس طرفا فيها ، ولا نقدر أن نكون طرفا . إن اختفينا فى الله نلنا النصرة به وفيه ..
( 4 ) صلاة حزقيا
أخذ حزقيا رسالة سنحاريب المكتوبة من يد الرسل وقرأها ثم صعد إلى بيت الرب ونشرها أمام الرب ثم صلى ( إش 37 : 14 ، 15 ) .
إن كان سنحاريب حسب أنه لا يحمل عداوة شخصية مع حزقيا إنما هى معركة بين الآلهة ، فقد انطلق حزقيا إلى إلهه يعرض عليه الأمر فى بيته المقدس .
ولعل من أجمل سمات حزقيا أنه رجل صلاة ، ففى خمس مناسبات نسمع عنه أنه يتمتع بقوة خلال الصلاة .
يلاحظ فى صلاته الآتى :
( أ ) انفتاح قلبه فى الصلاة مع خشوعه واتضاعه ... لم يبرر نفسه فى شىء بل اختفى تماما عارضا فى صراحة كاملة الأمر بين يدى الله .
( ب ) يدعو الله " رب الجنود " ، بكونه قائد المعركة القدير ، جنوده علويون قادرون على النصرة والغلبة ضد العدو .
( جـ ) دعوة الله بالجالس على الكاروبيم ، إذ هو غير محتاج إلى عرش زمنى ، بل عرشه سماوى .. لذا ففى عمله لا يطلب ما لذاته إنما لبنيان شعبه ومؤمنيه .
( د ) دعوة الله " إله كل ممالك الأرض " وليس إله إسرائيل ، فى يده كل الأمم ، يحرك العالم كله بإرادته المقدسة .
( هـ ) حقا لقد غلب سنحاريب الأمم المجاورة وألقى بآلهتها فى النار لتحترق وتبيد ... لكنه ماذا يقدر أن يفعل بالخالق ؟!
( و ) قدم ختاما رائعا للصلاة : " والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب وحدك " إش 37 : 20 .
كأن ما تقدمه لنا من نصرة إنما هو شهادة فى العالم على صدق إيماننا بك وأنت أنت الإله وحدك ولا آخر غيرك .
( 5 ) إشعياء يعود فيطمئن حزقيا
صلى حزقيا إلى الله فجاءت الإجابة سريعة عن طريق إشعيا النبى ، مضمونها الآتى :
( أ ) ان كان سنحاريب قد جدف على الله وسخر به ، فقد وجه الرب حديثه إلى سنحاريب يسخر به قائلا : " احتقرتك ، استهزأت بك إبنة صهيون ، نحوك انغضت إبنة أورشليم رأسها ... " إش 37 : 22 إلخ ....
وكأنه يقول له : إن كنت قد هجت على كحيوان مفترس فإننى أعرف أن اضبطك وأسخر بك خلال العذراء إبنة صهيون إبنة أورشليم .. أو كأنه يقول له : أنت تأتينى بجيشك الضخم وأنا احطمك بفتاة عذراء تحتقرك . أنت تفتخر بكثرة مركباتك ، إذ صعدت إلى الجبال العالية وقطعت أرز لبنان وسروه وتعمقت إلى وعر الكرمل ولم تدرك قدرتى ، فإننى إذ أحفر فى الجبال بيدى أبعث ماء للشرب وإذ أطأ الأنهار بقدمى أجففها ، فى يدى مفاتيح الطبيعة .. أذكر ما فعلته بفرعون أيام موسى النبى ( إش 37 : 24 – 26 ) . أذكر ما فعلته بالأمم حين وهبت أرض الموعد لشعبى ! تعلم من التاريخ خلال وقائع عملية حتى لا تتحطم !
( ب ) أعطى الله لحزقيا علامة مجيدة لينزع عنه الرعب من المصاعب التى تحل عليه بسبب غزو سنحاريب ( إش 37 : 30 – 32 ) . إن كان العدو قد استولى على الحصاد حتى لم تبق بذار للزرع الأمر الذى يقود إلى حدوث مجاعة أو على الأقل إلى عجز فى الطعام ، فإن الزرع يخرج فى تلك السنة دون حاجة إلى بذار ( ربما من البواقى التى سقطت عفوا ) ، وهكذا فى السنة التالية ، وأما فى السنة الثالثة حيث يسترد الشعب طاقته فتعود الحياة طبيعية .
كأن الله يعمل معهم عجبا ماداموا عاجزين وإمكانياتهم معدمة ، حتى متى صاروا فى وضعهم الطبيعى يعمل بهم خلال الحياة الطبيعية وخلال قوانين الطبيعة .
كانت هذه العلامة رمزا للبقية الناجية من يهوذا ، فإن نجاتهم هى عطية من الله بالرغم من مقاومة الأعداء وعنفهم ، إذ يقول : " يتأصلون إلى أسفل ويصنعون ثمرا إلى ما فوق " إش 37 : 31 .
كأن العدو قد أستأصلهم تماما ، فصاروا كمن هم بلا جذور ، لكن الله يقيمهم ويهبهم ثمرا كما فعل بالزرع فى السنتين الأولى والثانية من غزو سنحاريب ... " غيرة رب الجنود تصنع هذا " إش 37 : 32 .
أى أن هذا الخلاص لا يتحقق عن استحقاق بشرى إنما عن حب الله لشعبه وغيرته عليه بكونه العريس السماوى الغيور على عروسه لتصير مقدسة له لا يغتصبها آخر .
" هكذا قال رب الجنود : غرت على أورشليم وعلى صهيون غيرة عظيمة " زك 1 : 14
" لأن الرب اسمه غيور ، إله غيور هو " خر 34: 14 .
خلال هذه العلامة يعلن الله بركات نحو شعبه ، وهى :
أولا : خلاص الشعب من الدينونة فلا يحل بهم القحط بل يتمتعون بثمر وفير ( إش 37 : 30 ) .
ثانيا : تزع البقية من جديد فى أورشليم ( إش 37 : 32 ) إشارة إلى تجديد الطبيعة البشرية ورعاية الله لكنيسته .
ثالثا : يصنعون ثمرا إلى فوق ( إش 37 : 31 ) ، أى يحملون طبيعة سماوية علوية .
رابعا : انتشار الكرازة من أورشليم ( إش 37 : 32 ) .
خامسا : سر هذا العمل الخلاصى هو نار محبة الله وغيرته المتقدة ( إش 37 : 32 ) .
( جـ ) تأكيد الله أن سنحاريب لن يدخل أورشليم ( إش 37 : 33 – 35 ) ، لن يصوب نحوها سهما واحدا ولا يتقدم عليها بترس ، ولا يقيم عليها مترسة .. إنما يعود فى خزى من حيث جاء . هكذا يستخدم الله – فى محبته لأولاده – كل وسيلة لينزع عنهم القلق ، مؤكدا لهم حمايته ورعايته ومحبته العملية نحوهم .
( د ) سر حمايته لشعبه ليس برهم الذاتى وإنما غيرته على مجده وعهوده مع أولاده المحبوبين مثل داود . فإنه ليس من أجل يهوذا ولا من أجل صلوات حزقيا المثيرة يتدخل الله وإنما كما قال : " وأحامى عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسى ومن أجل داود عبدى " إش 37 : 35 .
لقد مات داود لكن حياته مستمرة خلال صلواته المروعة التى من أجلها يحامى الله عن مدينة أورشليم .
( 7 ) ضرب جيش أشور
" فخرج ملاك الرب وضرب من جيش أشور مئة وخمسة وثمانين ألفا فلما بكروا صباحا إذ هم جميعا جثث ميتة " إش 37 : 36 .
غالبا ما يقصد بملاك الرب كلمة الله قبل التجسد ، وقد تحقق ذلك فى ذات الليلة التى تلت حديث النبى إشعياء مع حزقيا ( 2 مل 19 : 35 ) .
( 8 ) موت سنحاريب وابنه شرآصر
قتل سنحاريب وإبنه وهو ساجد فى بيت نسروخ إلهه ، الذى كان يظن أنه قادر على حمايته وأنه سر غلبته على كل الأمم وآلهتهم .