حزقيا يكشف ذخائره
أختتم الجزء الأول من سفر إشعياء بهذا الأمر الصعب : سقوط حزقيا الملك فى الكبرياء وكف كل ذخائره وذخائر آبائه لسفراء ملك بابل من باب الأستعراض لغناه ومجده ، لذا صدر الأمر بسحبها جميعا إلى بابل .
لقد ارتفع نجم أورشليم بعد هزيمة ملك أشور الذى أرعب جميع الأمم وابتدأ الغرور يتسلل إلى قلب حزقيا ليدفع به إلى الهاوية .
( 1 ) استعراض الذخائر
ارتفع نجم حزقيا بسبب هزيمة سنحاريب ملك أشور ، وقدم حزقيا مزمور شكر لله خاصة بعد ما وهبه الله 15 عاما على عمره ، لكنه لم يمارس الشكر بحياته إذ ارتفع قلبه وتشامخ ( 2 أى 32 : 26 ) ، وصار له " غنى وكرامة كثيرة جدا وعمل لنفسه خزائن للفضة والذهب والحجارة الكريمة والأطياب والأتراس وكل آنية ثمينة ... وعمل لنفسه أبراجا ومواشى غنم وبقر بكثرة لأن الله أعطاه أموالا كثيرة جدا " 2 أى 32 : 27 – 29 .
تركه الله فى وسط هذا الغنى والمجد إلى حين وأراد أن يكتشف قلبه ( 2 أى 32 : 31 ) فسمح أن يرسل مردوخ بلادان ملك بابل رسائل وهدية بعد شفائه . كان يليق بحزقيا أن يمجد الله ويعرض نعمة الله لا أن يكشف عن خزائنه . لقد سقط فى الأعتداد بذاته والإعلان عن مجده كما سبق أن سقط شمشون الذى أعلن عن سر قوته للزانية فانهار .
يقول القديس هيبوليتس : [ دهش مردوخ الكلدانى ملك بابل فى ذلك الحين إذ درس الفلك وقاس هذه الأجرام وعرف السبب فأرسل خطابا وهدايا كما فعل المجوس الذين من المشرق مع المسيح ] .
اندفع حزقيا بكبرياء قلبه وحبه للمجد الزمنى الباطل ليكشف كل ما لديه لرسل مردوخ بلادان : " لم يكن شىء لم يرهم إياه حزقيا فى بيته وفى كل ملكه " إش 39 : 2 .
لم يختبر حزقيا كلمات داود أبيه " مجد إبنة الملك من الداخل " مز 45 .
( 2 ) الأمر الإلهى بسحب الذخائر
أرسل الله نبيه إشعياء إلى حزقيا لتأديبه ، فسأله :
+ ماذا قال هؤلاء الرجال ؟
+ ومن أين جاءوا إليك ؟
+ ماذا رأوا فى بيتك ؟
لم يجب على أهم سؤال : " ماذا قال هؤلاء الرجال ؟ "
ظن أنهم جاءوا من أرض بعيدة من بابل ( إش 39 : 3 ) فلا خطر عليه منهم ، لذلك صدر الحكم الإلهى بالعقاب خلال بابل .
جاءت العقوبة قاسية لأن الكبرياء داء خطير للغاية ، يعنى شركة فى طبيعة الشيطان . لم يفقد حزقيا الخزائن التى كشفها فحسب وإنما يفقد حرية أولاده إذ يصيرون خصيانا فى بيت ملك بابل ( إش 39 : 7 ) .
( 3 ) اعتراف حزقيا بالخطأ
" فقال حزقيا لإشعياء :جيد هو قول الرب الذى تكلمت به ، وقال : فإنه يكون سلام وأمان فى أيامى " إش 39 : 8 .
فى الظاهر نطق الملك بكلمات تحمل تسليما ، لكننا لا نعرف ما هى اتجاهاته ودوافعه ، ربما يكون استسلاما دون توبة وثقة فى الله القادر على غفران الخطايا .
لقد اعترف أنه أخطأ لكنه لم يقدم توبة ، دليل ذلك أنه عوض الصراخ إلى الله بدموع من أجل الرجوع إليه شعر بطمأنينة أن التأديب سيحل بعد موته فى أيام أولاده . لقد حمل نوعا من الأنانية ، فقد اهتم أن يقضى أيامه فى طمـأنينة دون المبالاة بما سيحل بالشعب وبنسله فيما بعد .