بركات مملكة المسيح
يعتبر هذا الإصحاح تتمة للأصحاح السابق ، فإن كان الله يدين الأمم المقاومة له فى حياة مؤمنيه ، إنما يفعل ذلك لأجل بنيان شعبه ونموهم وتمجيدهم ، الأمر الذى يتحقق بمجىء المسيا مخلص العالم ، الذى بالصليب حطم قوات الظلمة وفتح باب بركاته الإلهية أمام الراجعين إليه مهما بلغ ضعفهم .
( 1 ) تحويل البرية إلى فردوس
يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا إنما يخص حال بنى إسرائيل بعد عودتهم من السبى البابلى ، غير أن الكثيرين يرون فى ذلك وصفا لحال كنيسة العهد الجديد المتمتعة بالسيد المسيح رأسا لها ، يسكب مجده وبهاءه فيها . هذا هو رأى أغلب الدارسين من الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وإن كان أتباع الملك الألفى يحسبون هذا الإصحاح نبوة عنه لم تتحقق بعد .
يستطيع المؤمن الحقيقى الذى يختبر الحياة الجديدة فى المسيح يسوع أن يختبر مجد الكنيسة معلنا فى حياته الداخلية وهو :
( أ ) تحويل البرية والأرض اليابسة إلى جنة مثمرة ، فبدخول الرب إلى القلب وحلول الروح القدس فيه ينتزع العقم الداخلى وتغرس جنة الرب المثمرة التى تفرح قلب الله ( إش 35 : 1 ، 2 ) .
+ واضح أنه لا يتحدث هنا عن أماكن خارج النفس والحواس ، بل يعلن عن أخبار سارة مفرحة خاصة بالنفس الظمآنة . غير المزينة خلال رمز البرية .
( ب ) لعل أهم سمات كنيسة العهد الجديد هو " فرح الرب " ، إذ تحيا نتهللة مبتهجة داخليا من أجل عمل الله فيها .
" تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس ، يزهر أزهارا ويبتهج ابتهاجا ويرنم " إش 35 : 1 ، 2 . فرح وبهجة وترنم !
+ من نظر فى ذاته إلى ربنا ، وامتزجت نفسه بنوره ، فليملأ قلبه بالفرح .
( جـ ) يتجلى مجد الرب وبهاؤه فى القلب كعربون للمجد الأبدى السماوى ، " يدفع إليه مجد لبنان ... هم يرون مجد الرب بهاء إلهنا " إش 35 : 2 .
يتحدث القديس مقاريوس الكبير عن هذا المجد الخفى الذى يملأ حياة المؤمن ليعلن فى يوم الرب العظيم ، قائلا :
" بتجديد العقل ( رو 12 : 3 )
وسلام الأفكار ( فى 4 : 7 )
ومحبة الرب السماوية ( أف 3 : 19 )
تتميز خلقة المسيحيين الجديدة ( 2 كو 5 : 17 ) عن باقى البشر .... "
( د ) يصير الإنسان سندا لإخوته الضعفاء ، " شددوا الأيادى المسترخية والركب المرتعشة ثبتوها ، قولوا لخائفى القلوب تشددوا لا تخافوا ، هوذا إلهكم ، الأنتقام يأتى ، جزاء الله ، هو يأتى ويخلصكم " إش 35 : 3 ، 4 .
+ من أقوال القديس يوحنا الذهبى الفم :
إن كانت الحياة مع الله تمثل علاقة شخصية خفية بين الله والمؤمن لكنها ليس فى فردية منعزلة ، إنما هى خلال حياة الشركة بين الله وكنيسته الواحدة ، كل عضو يسند أخاه فى الرب لكى يتشدد الكل معا كعروس واحدة .
كل مساندة من جانبك لأخيك إنما هى مساندة لك أنت شخصيا لأنه يمثل يديك وركبك .
( 2 ) إشباع احتياجات المؤمنين
( أ ) إذ يقول : " هو يأتى ويخلصكم ، حينئذ ........ " إش 35 : 4 ، 5 ، أى عندما يأتى الرب المسيح المخلص تتحقق أمور فائقة ، معجزات وآيات باهرة :
" حينئذ تتفتح عيون العمى ، وآذان الصم تتفتح ، حينئذ يقفز الأعرج ، كالإيل ، ويترنم لسان الأخرس ، لأنه قد انفجرت فى البرية مياة وأنهار فى القفر " إش 35 : 5 ، 6 .
يحاول المنادون بالملك الألفى أن ينسبوا ذلك للملك الألفى ، مع أن السيد المسيح نفسه استخدم هذا النص عندما أجاب تلميذى يوحنا المعمدان مؤكدا أنه هو المسيا المنتظر ( مت 11 : 4 – 6 ) .
الله الذى خلق كل شىء حسنا جاء بنفسه إلى العالم ليجدد خليقته مصلحا ما قد فسد ، ولكى يرد للإنسان سلامه وصحته وبهجته . يفتح بصيرته الداخلية لمعاينة الأسرار الإلهية ، والآذان لكى تستعذب الصوت الإلهى وتستجيب لوصاياه ، ويهب الأعرج قدرة للسير فى الطريق السماوى ، وينطق الأخرس بتسابيح داخلية ... هذا كله بفعل الروح القدس ( المياة والأنهار ) الذى أرسله السيد المسيح من عند الآب .
( ب ) " ويصير السراب أجما ، والمعطشة ينابيع ماء . فى مسكن الذئاب فى مربضها دار للقصب والبردى " إش 35 : 7 .
يعنى بهذا أنه عوض الجفاف يصير فيض ماء ، إذ تصير الأرض الجافة ( السراب ) بركة ماء والأرض الظمآنة ينابيع مياة متفجرة ، فى مسكن الذئاب حيث القفر يوجد ماء فتنبت الحشائش ويظهر البردى الذى لا يوجد إلا فى الأماكن التى بها وفرة ماء .
( جـ ) " وتكون هناك سكة وطريق يقال لها الطريق المقدسة ، لا يعبر فيها نجس ، بل هى لهم ، من سلك فى الطريق حتى الجهال لا يضل ، لا يكون هناك أسد ..... بل يسلك المفديون فيها " إش 35 : 8 ، 9 .
ما هو هذا الطريق إلا السيد المسيح نفسه الذى يقدم نفسه لمؤمنيه طريقا آمنا لا يعبر فيه نجس ، بل يكون الكل فيه قديسين ، حتى الجهال ينالون فهما وحكمة فلا يضلون ، ولا يستطيع عدو الخير ( الأسد المفترس ) أن يقترب إلى السالكين فيه .
" أنا هـــو الطريق والحق والحيـــــــاة "
( 3 ) مملكة فرح وبهجــة
تمسح كل شعوب الأمم القادمة إليه بدهن الفرح ، فتصير أمة مقدسة متوجة بإكاليل البهجة النابعة عن النصرة . لا يستطيع الحزن والتنهد أن يجدا لهما موضعا فى قلوبهم بل من الخارج فقط .
هذه هى مسحة كنيسة العهد الجديد بكونها أيقونة السماء المتهللة بالرب .
لذا قيل : " ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدى على رؤوسهم ، ابتهاج وفرح يدركانهم . ويهرب الحزن والتنهد " إش 35 : 10 .
+ من أقوال القديس يوحنا الذهبى الفم :
توجد بالحقيقة راحة حيث لا يوجد ألم أو حزن أو تنهد ، حيث لا توجد ارتباكات أو متاعب أو صراعات أو خوف من ذهول النفس واضطرابها ، وإنما توجد مخافة الله المملوءة بهجة .