دعوة الكنيسة للترنم
بعدما تحدث عن الآم المسيح المخلصة يدعو الكنيسة لحياة التسبيح والفرح ، فقد وجدت عريسها السماوى الذى يهبها خصوبة روحية وثمرا متكاثرا عوض العقر وعدم الإثمار . رفعها من المذلة إلى مجد أولاد الله ، ومن الفساد إلى بره السماوى ، واهبا إياها نصرة على كل قوات العدو .
( 1 ) تسبيح من إجل الإثمار
" ترنمى أيتها العاقر التى لم تلد ، أشيدى بالترنم أيتها التى لم تتمخض ، لأن بنى المستوحشة أكثر من بنى ذات البعل قال الرب "
إش 54 : 1 .
يرى العلامة أوريجانوس أن البعل أو الزوج هنا هو الناموس الذى ارتبط به الشعب القديم كزوج ، وكان يليق به أن يقدم ثمرا متكاثرا بينما حرمت الأمم منه لكنها إذ اتحدت بالسيد المسيح خلال الإيمان به أنجبت أولادا مقدسين للرب .
يقارن القديس أغسطينوس بين كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد ، الأولى تزوجت بالناموس فصارت مع أولادها فى عبودية لأنها كانت تطلب البركات الزمنية ، أما الثانية فهى تتعبد لله من أجله هو ليكون هو الكل فى الكل ، خدمتها حرة تخص أولاد المرأة الحرة لا الجارية ، هذه كانت قبلا عاقرا ولم يكن لها أولاد أما الآن فصار لها أولاد كثيرون أكثر مما كان للأولى .. هذا يهبها فرحا وترنما .
+ جاء الناموس يعمل ليجعل الناس أبرارا لكنه لم يستطع ، فجاء ( المسيح ) وفتح طريق البر بالإيمان ، وبهذا حقق ما اشتهاه الناموس . ما لم يستطع الناموس أن يحققه بالحرف حققه هو بالإيمان .
" اوسعى مكان خيمتك ، ولتبسط شقق مساكنك ، لا تمسكى أطيلى أطنابك وشددى أوتادك ، لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة " إش 54 : 2 ، 3
تطلع النبى إلى كنيسة العهد الجديد كخيمة اجتماع مع الرب وقد جاء إليها أعداد بلا حصر من اليمين ( اليهود ) ومن اليسار ( الأمم ) فى فيض لا ينقطع حتى ضاق الموضع جدا فطلب توسيع مكان الخيمة وبسط الشقق المصنوعة منها وإطالة اطنابها .. فإنها تمتد لتصير الأرض للرب ولمسيحه ، إنها تحول أمما وثنية إلى مقادس للرب ، وتعمر مدنا خربة إلى مساكن مقدسة لشعب الله .
هذه هى صورة النفس التى تلتقى بالصليب ، تصير بالحق خيمة الرب التى يتسع قلبها يوما فيوما ليحمل صورة المخلص محب البشر .
( 2 ) تسبيح من أجل العريس
إن كان الصليب عارا ، يتعثر فيه اليهود ويحسبه الأمم جهالة ( 1 كو 1 : 23 ) ، لكننا نحمل ثمرة فندركه " قوة الله وحكمته " ولا نستحى منه ( غل 6 : 14 ) . لهذا يقول النبى :
" لا تخافى لأنك لا تخزين ، ولا تخجلى لأنك لا تستحين ، فإنك تنسين خزى صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد "
إش 54 : 4 .
عند الصليب تلتقى النفس بعريسها واهب الحياة غالب الموت فتنسى ترملها القديم وخزى صباها إذ عاشت زمانا طويلا كوحيدة متروكة ليس من يملأ فراغ قلبها . تطلعها للعريس المصلوب يشبع كل أعماقها الداخلية فلا تبالى بسخرية بنات أورشليم الرافضات الخلاص ، بل فى قوة الحب تقول : " أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقل ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء " نش 3 : 5 .
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم حوارا بين العريس السماوى والنفس البشرية ، جاء فيه :
[ عظيم هو مهرى ! ..... جاء وأخذنى ، وعين لى المهر ، قائلا : أعطيك غناى !
هل فقدت الفردوس ؟ أرده لك ...
ومع ذلك لم يعطنى المهر كله هنا ، لماذا ؟
لكى اهبه لك عندما تدخلين الموضع الملوكى .
هل أنت جئت إلى ؟ لا ، بل أنا الذى جئت إليك .. لا لكى تمكثى فى موضعك ، وإنما لكى آخذك معى وأرجع بك ، فلا تطلبى منى المهر وأنت هنا فى هذه الحياة ، بل كونى مملوءة رجاء وإيمانا ] .
هذا هو سر فرحنا ، وهذا هو موضع تسبيحنا الذى لا ينقطع . لقد حول الصليب ترملنا إلى عرس فريد فيه نتحد مع الرب نفسه : " لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه ، ووليك قدوس اسرائيل إله كل الأرض يدعى ، لأنك كإمرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك " إش 54 : 5 ، 6 .
كنا فى عار كإمرأة قد هجرها رجلها فانكسرت نفسها بالخزى والعار ، رذلها بسبب زناها ورجاساتها ، وها هى تصير عروسا لرب الجنود لقدوس إسرائيل إله كل الأرض يسوع المسيح .
إذ تلتقى بعريسها وتنعم بأمجاده تنسى فترة ترملها بكل مرارتها فتحسب الماضى كله بالنسبة لها أقل من لحظة أو طرفة عين . نعمة رب المجد وإحساناته التى تجعلنا معه وتوحدنا مع أبيه تجعلنا ندرك بفرح كلماته لنا :
" لحيظـة تركتك وبمراحـم عظيمة سأجمعك ، بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة وبإحسان أبدى أرحمك قال وليك الرب "
إش 54 : 7 ، 8 .
هذا الحب الزوجى بين المسيح والنفس البشرية أبدى لا يزول ، فكما قدم الله وعدا لنوح ألا يغرق العالم بالطوفان خلال غضبه على البشرية ( إش 54 : 9 ) هكذا يهبنا الرب وعدا ألا يفارقنا قط أو ينزع رحمته عنا ، إذ يقول : " فإن الجبال تزول والآكام تتزعزع أما إحسانى فلا يزول عنك وعهد سلامى لا يتزعزع قال راحمك الرب " إش 54 : 10 .
( 3 ) تسبيح من أجل تجديدها
سر تسبيحنا أننا كنا كعاقر وهبنا الله كثرة من البنين ، وكمستوحشة متروكة وجدت الرب نفسه عريسا لها ، وأيضا كمدينة خربة قام الرب بتجديدها وإعادة بنائها .
" أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا ابنى بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك ، واجعل شرفك ياقوتا وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة "
إش 54 : 11 ، 12 .
يالها من صورة رائعة تكشف عما وصلت إليه البشرية من انحطاط وما حل بها من مجد فائق لا ينطق به ، كانت كمدينة خربة مهدمة حسبت فى ذل وحل بها الأضطراب بواسطة العدو الذى سبى شعبها وافقدهم كل رجاء فصاروا بلا تعزية ، الآن يقوم الرب ببنائها هكذا :
أ – يبنى بالأثمد حجارتها ، علامة القوة والمتانة ، هذه الحجارة هى النفوس التى قبلت الإيمان بالمخلص فصارت حجارة حية فى هيكل الرب ، لا قدر عدو الخير أن يحطمها أو ينتزعها !
ب – الأساس من الياقوت الأزرق . الأساس هو ربنا يسوع السماوى ، حجر الزاوية الذى يضم الكل معا فيه .
جـ - الشرف من الياقوت الشفاف إشارة إلى مجد المؤمن الداخلى القائم على بر المسيح والحياة المقدسة فيه ، ينعكس على الشرفات الخارجية .
د – الأبواب التى من الحجارة البهرمانية ، تشير إلى تقديس الحواس واهتمامنا بها دون تحطيمها أو الأستخفاف بها .
هـ - كل التخوم حجارة كريمة تشير إلى التقديس الكامل للنفس مع الجسد .
و – كل سكانها يحسبون تلاميذ الرب وبنيها مملوئين سلاما " وسلام بنيك كثيرا " إش 54 : 13 .
بجلوسنا عند قدمى المخلص نسمع صوته ونتمتع بإمكانياته لنمارس الحق فيه يهبنا سلام الروح الداخلى كعطية خاصة لبنيه .
ز – سر سلام الكنيسة الكثير وبنيانها وقوتها هو بر المسيح ، إذ يقول :
" بالبر تثبتين ، بعيدة عن الظلم فلا تخافين ، وعن الأرتعاب فلا يدنو منك " إش 54 : 14 .
يقول الرسول : " الذى أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا " رو 4 : 25 .
( 4 ) تسبيح من أجل نصرتها
ما يفرح قلب الكنيسة التى بناها الرب بنفسه واختارها عروسا له وملكة سماوية ، متلمذا أولادها على يديه ، واهبا إياهم سلامه الفائق ، مقدما لهم بره عاملا فيهم ليعيشوا بالبر ويرفضوا كل شر وظلم ، إنها فى ذات الوقت تقاوم من قوات الظلمة مجتمعة فيهبها الرب نصرة عليهم وغلبة حتى على الموت .
أ – اتحاد قوات الظلمة ضدها : " ها أنهم يجتمعون اجتماعا ليس من عندى " إش 54 : 15 ... يتشاورون ويعملون معا ضد كنيسة المسيح كما اجتمعت قوى الشر قبلا تطلب صلب عريسها فتحول ظلمهم إلى خلاص للعالم ، وأخرج الله من الآكل أكلا ومن الجافى حلاوة .
ب – اتحادهم معا يسقطهم تحت قدمى الكنيسة : " من اجتمع عليك فإليك يسقط " إش 54 : 15 .
جـ - اجتماعهم هو بسماح الهي : " وأنا خلقت المهلك ليخرب " إش 54 : 16 ، لهذا لا نخشاه ولا نضطرب من شدة عنفه ، فإنه فى يد الخالق ممسوك به .
د – تنتهى حتما كل مقاومة وتكلل الكنيسة لتنال ميراثا برا أبديا :
" كل آلة صورت ضدك لا تنجحوكل لسان يقوم عليك فى القضاء تحكمين عليه . هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندى يقول الرب "
إش 54 : 17