دعــوة عــامة للخلاص
كشف الرب عن عمله فى الكنيسة التى أقامها من حالة الترمل إلى العرس الأبدى ، ومن الخراب إلى مدينة الله الثمينة فائقة الجمال ، والآن يفتح الرب أبوابها للجميع كى يأتوا إلى ينبوع المياة الية ويشربوا ويرتووا ويجدوا طعاما لائقا يناسب احتياجات الكل ، ويدخلوا فى عهد جديد أبدى . أمام هذه الدعوة يليق بالعطاش أن يعلنوا عن تجاوبهم عمليا بطلب الرب ورفض الشر مع التسليم الكامل بين يدى المخلص بفرح وتهليل قلب .
( 1 ) دعوة للخلاص
جاءت الدعوة الإلهية للتمتع بخلاص الرب المجانى تحمل البنود التالية :
أ – دعوة عامة للعطاش : " أيها العطاش جميعا هلموا إلى المياة ، والذى ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا " إش 55 : 1 .
إنها دعوة عامة للجميع ، أبواب الكنيسة مفتوحة أمام الكل ، ينصت إليها من يشعر بالأحتياج أى " العطاش " وكما قال الرب
" طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون " مت 5 : 6 .
المياة فى الكتاب المقدس تشير أحيانا إلى المعمودية ، وكأن الدعوة هنا موجهة إلى الجميع للتمتع بالعماد مجانا .
ب – عطاء مشبع للكل ، هذه العطية المجانية التى لا تشترى بفضة ولا بثمن تقدم لكل إنسان احتياجاته ، فيجد الكبار خمرا يفرحهم والصغار لبنا يسندهم .
الخمر الروحى الذى يتمتع به الكبار يشير إلى حالة الفرح التى يتمتع بها البالغون فى القامة الروحية ، فتتلذذ نفوسهم بدسم الرب ( إش 55 : 2 ) .
وكما يقول الشيخ الروحانى : [ طوبى للحامل فى قلبه ذكرك فى كل وقت ، لأن نفسه تسكر دائما بحلاوتك ] .
اللبن الروحى المقدم للصغار يشير إلى ترفق الله بالمبتدئين ، فيقدم لهم ما يناسب معدتهم الروحية حتى ينموا وينضجوا ، يعرف كيف يقدم لكل واحد ما هو لبنيانه وسلامه وشبعه وإروائه .
هكذا لا يشعر أحد بالحرمان بل كما قيل :
" كلوا الطيب ولتتلذذ بالدسم أنفسكم " إش 55 : 2 .
جـ - دخول فى عهد أبدى لإقامة مملكة داود الساقطة حسب الوعد الإلهى الصادق :
" واقطع لكم عهدا أبديا ، مراحم داود الصادقة " إش 55 : 3 .
خلال هذا العهد نصير ملوكا ( رؤ 5 : 10 ) منتسبين لملك الملوك الذى قيل عنه :
" هوذا قد جعلته شارعا للشعوب ، رئيسا وموصيا للشعوب " إش 55 : 4 .
هو الملك واضع شريعة العهد الجديد والوصية الجديدة لا لشعب معين بل لكل الشعوب .
د – قبول الأمم الوثنية الراجعة إلى الله بالإيمان :
" ها أمة لا تعرفها تدعوها وأمة لم تعرفك تركض إليك من أجل الرب إلهك وقدوس إسرائيل لأنه قد مجدك " إش 55 : 5 .
لم يكن هذا الأمر مقبولا لدى الشعب القديم ، بل وحتى بعد انفتاح الباب أمام الأمم بقيت الكنيسة فى العالم كله إلى قرون فى دهشة أمام حب الله للبشرية كلها ، يجتذبهم من الوثنية ورجاساتها ليعلنوا مجد الله ، فى عجب يقول القديس أغسطينوس : [ كيف دخلت الأمم إلى الإيمان هكذا سريعا ؟! ... نسألهم : ماذا تريدون ؟ يجيبون : " معرفة مجد الله " ] .
( 2 ) تجاوب الإنسان
أمام هذه الدعوة العامة المجانية المقدسة للعطاش يليق بالإنسان أن يعلن تجاوبه معها وقبوله لها عمليا بالوسائط التالية :
أ – الصلاة أو طلب الله للألتقاء معه : " أطلبوا الرب ما دام يوجد أدعوه وهو قريب " إش 55 : 6 .
ب – التوبة : " ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم لأفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران " إش 55 : 7 .
التوبة هى الطريق الذى مهد به القديس يوحنا المعمدان للسيد المسيح ، والذى كرز به التلاميذ لتهيئة البشرية لقبول ملكوته فى داخلهم !
جـ - الأتكال على حكمة الله والثقة فى خطته وتدابيره نحونا ، إذ يقول : " لأن أفكارى ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقى يقول الرب ، لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقى عن طرقكم وأفكارى عن أفكاركم " إش 55 : 8 .
د – الأرتواء بكلمة الرب واهبة الثمر : " لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطى زرعا للزارع وخبزا للآكل هكذا تكون كلمتى التى تخرج من فمى ، لا ترجع فارغة ، بل تعمل ما سررت به وتنجح فى ما أرسلتها له " إش 55 : 10 ، 11 .
لقد نزل كلمة الله متجسدا ليروى الطبيعة البشرية بدمه كمطر فريد قادر أن يعيد خلقتها ويجددها ، محولا إياها من برية قاحلة تسكنها الوحوش العنيفة إلى فردوس مثمر يسكنه الثالوث القدوس ويتهلل به السمائيون وأيضا الأرضيون .
هكذا يليق بنا أيضا أن نقبل كلمة الله المكتوبة لا للدراسة العقلانية البحتة وإنما كحياة معاشة تعطى ثمرا إلهيا .
هـ - التسبيح الدائم علامة قبول العريس قلبيا والتجاوب معه داخليا ، " لأنكم بفرح تخرجون وبسلام تحضرون ، الجبال والآكام تشيد أمامكم ترنما وكل شجر الحقل تصفق بالأيادى " إش 55 : 12 .
الخروج بفرح إنما يعنى خروج النفس من " الأنا " ، واتساعها بالحب لحساب عريسها وكل أحبائه ، اتساعها للسمائيين والأرضيين ..
و – ثمر إيجابى متكاثر ، فلا يكفى انتزاع الشوك والقريس وإنما يلزم ظهور السرو والآس علامة ختمنا باسم الرب واهب الثمر الروحى ، بمعنى آخر قبولنا لدعوته لا يعنى تركنا للشر فحسب وإنما صنعنا بر المسيح وممارستنا حياته القدسية المثمرة بعمل روحه القدوس فينا .
+ + +