بيت الصلاة لكل الشعوب
قدم الله دعوة جماعية للتمتع بالخلاص المجانى معلنا التزام الإنسان بالتجاوب مع الدعوة عمليا ، والآن يقدم الله كنيسته بيت الله المفتوح لكل الشعوب . لا يظن أحد فى نفسه أنه
" ابن الغريب " أى من نسل عابدى الأوثان بل يحسب نفسه مفرزا لخدمةتالرب والتعبد له ، ولا يحسب إنسان أنه خصى أو شجرة يابسة بل هو عمود فى بيت الرب .
ليس عند الله محاباة ، يفتح بيته للجميع ، يأتيه الغرباء قابلو الإيمان ، ويحرم منه الذين نالوا الشريعة والنبوات لكنهم جحدوه .
( 1 ) بيت الصلاة لكل الشعوب
فى الإصحاح السابق كانت الدعوة لجميع العطاش ( إش 55 : 1 ) ، لليهود والأمم ، للعطاش والجياع ، للعمى والصم الخ ... لكى ينهلوا من ينابيع انجيل الخلاص المجانى وعطية الروح المقدمة لكنيسة العهد الجديد . الآن إذ خشى أن يتراجع أحد عن العطية حاسبا نفسه غريبا ابن غريب لأنه ولد من عائلة وثنية جاحدة للإيمان ، أو لأنه عقيم بالطبيعة لكونه خصيا أو شجرة يابسة ، لهذا أخذ يشجع الكل للدخول من أبواب مراحم الله المتسعة :
( أ ) خلاص الرب ليس ببعيد " لأنه قريب مجىء خلاصى واستعلان برى " إش 56 : 1 . فمن جهة الزمن لم يكن باقيا سوى سبعة قرون لمجىء السيد المسيح مخلص العالم ، أى حوالى 700 سنة ، وألف سنة عند الرب كيوم واحد ( مز 90 : 4 ) . أما ما هو أهم فإن خلاص الرب قريب من كل أحد ، لأن الكلمة فى داخل القلب ، وصليب الرب ممكن إعلانه فى كل نفس . وكما قال القديس أغسطينوس : [ لغباوتى كنت أبحث عنك خارجا ... وكنت أنت داخلى عميقا أعمق من عمقى وعاليا أعلى من علوى ] .
طريق خلاصنا فى أعماقنا لأنه وهب لنا روح الله القدس وعضويتنا فى جسد السيد المسيح خلال المعمودية ... فصرنا مسكنا لله وهيكلا له ، لهذا يقول الرسول : " الكلمة قريبة منك ، فى فمك وفى قلبك " رو 10 : 8 .
( ب ) بقوله " احفظوا الحق واجروا العدل ، لأنه قريب مجىء خلاصى واستعلان برى " إش 56 : 1 يكشف عن مفهوم الفضيلة . فإننا نلتزم أن نحفظ الحق وأن نمارس العدل ، أى نسلك حسب الوصية الإلهية التى هى حق وعدل وهذا أمر صعب بل مستحيل على الطبيعة البشرية فى ذاتها . أما إن اعلن الخلاص فى القلب وتجلى بر المسيح فتصير الوصية سهلة وممكنة بل طبيعية وعذبة ، لأن الذى يتممها هو الله الساكن فينا والعامل بروحه فينا .
يقول القديس يوحنا الذهبى الفم :
الفضيلة هى عمل الله فى مؤمنيه قابلى دعوته والمتجاوبين مع محبته :
+ ألا نلاحظ أنه ليس شىء ما نفعله بدون المسيح .
+ لا نقدر أن نجرى فى طريق الله إلا محمولين على أجنحة الروح .
+ ليس أقوى من الذى يتمتع بالعون السماوى ، كما أنه ليس أضعف من الذى يحرم منه .
يقول القديس أغسطينوس :
+ الله قدوس ويقدس ، الله بار ويبرر .
( جـ ) هذه العطية الإلهية مجانية لكنها لا تعطى قسرا ولا للمتراخين وإنما للمتجاوبين معها عمليا : " طوبى للإنسان الذى يعمل هذا وإبن الأنسان الذى يتمسك به ، الحافظ السبت لئلا ينجسه والحافظ يده من كل عمل شر " إش 56 : 2 . فإن كان الله قد وهبنا قيامته أو حياته المقامة " سبتا " ، أى راحة لنفوسنا ، فيليق بنا أن نعيش هذه الحياة ونحفظها ، ولا نعيش فى شقاء الموت وفساده . لنحفظ يدنا من ممارسة كل عمل شرير حتى لا نخضع لموت الخطية بل نبقى فى الرب " سبتنا " الحقيقى .
سبتنا الحقيقى هو ربنا يسوع الذبيح القائم من الأموات ، فيه يجد الآب راحته ( سبته ) من جهتنا إذ نتبرر فيه ونحسب أولادا له ، وفيه نجد راحتنا إذ نجد فيه موضعا فى حضن الآب .
( د ) تحويل الغرباء إلى أبناء بيت الله : " فلا يتكلم ابن الغريب الذى اقترن بالرب قائلا : افرازا أفرزنى الرب من شعبه " إش 56 : 3 .
إنما يتمتعون بالعهد الإلهى ، لهم حق العبادة وخدمة بيت الرب .
" وابناء الغريب الذين يقترنون بالرب ابخدموه وليحبوا اسم الرب ليكونوا له عبيدا كل الذين يحفظون السبت لئلا ينجسوه ويتمسكون بعهدى " إش 56 : 6 .
ماذا يعنى قبول الغرباء كأبناء بيت الرب والتمسك بالعهد الإلهى ؟ إنه تمتع بالأتحاد مع السيد المسيح ، للدخول إلى المقادس السماوية بلا عائق ، كأبناء مقدسين فيه وكأعضاء جسده ، لهم حق الأتحاد مع الآب بالروح القدس خلال دم العهد ، دم السيد المسيح الكفارى .
انفتاح باب الخلاص أمام الغرباء لكى يصيروا أبناء الله ، لهم حق العبادة ، كما الخدمة يعطى رجاء للجميع .
( هـ ) يهب الخصيان ابناء : " ولا يقل الخصى : ها أنا شجرة يابسة " إش 56 : 3 . لم يكن يسمح للخصيان جسديا أن يضموا إلى الكهنوت ( لا 21 : 20 ) ولا أن يشتركوا مع الشعب فى المحافل .. ( تث 23 : 1 ) .
الآن إذ انفتحت أبواب مراحم الله لا يوجد فى كنيسة الله خصى روحى ، إذ ليس بينهم عقيم بل الكل متئم ( نش 4 : 2 ) ... الكل يشهد لله ويأتى بأبناء له .
كأن التقاءنا بالرب لا يقف عند حقنا فى دخول بيته والتمتع بعهده إنما يهبنا قوة الشهادة له والإثمار .
لقد وعد الله شعبه إن أطاع " مباركا تكون فوق جميع الشعوب . لا يكن عقيم ولا عاقر فيك ولا فى بهائمك " تث 7 : 14 .
( و ) يقيم المؤمنين أبطالا وتبقى ذكراهم خالدة أبديا حتى فى السماء :
" إنى أعطيهم فى بيتى وفى أسوارى نصبا واسما أفضل من البنين والبنات ، واعطيهم اسما أبديا لا ينقطع " إش 56 : 5 .
يا للعجب فقد جاء الرب إلينا متجسدا لكى يموت فى أرضنا ويقوم ليرفعنا إلى بيته السماوى خالدين لا يقدر الموت أن يحطمنا ، بل تصير أسماؤنا منقوشة فى كتاب الله وعلى كفه أبديا .
( ز ) التمتع بعبادة مفرحة لنا وموضع سرور الآب : " وآتى بهم إلى جبل قدسى وأفرحهم فى بيت صلاتى ، وتكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحى لأن بيتى بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب " إش 56 : 7 .
ماذا يعنى هذا إلا تمتعنا بالعبادة لا كواجب نلتزم به أو شكليات وإنما كارتفاع مفرح على جبل الرب المقدس وابتهاج ببيت الرب السماوى ، كبيت صلاة نقدم حياتنا محرقة حب وذبيحة مقدسة ملتحمة بذبيحة المسيح القدوس ، نتهلل نحن ويقبلها الآب بكونها حاملة رائحة المسيح الذكية ، موضع سروره .
( ح ) انفتاح بيت الرب أمام كل الشعوب من بينهم منفيو إسرائيل . ربما قصد بالمنفيين هنا عودة الساقطين أيضا من المسيحيين ( إسرائيل الجديد ) ، فإن أبواب بيت الرب مفتوحة للكل حتى بالنسبة للمؤمنين الذين سقطوا أو انحرفوا .
( 2 ) رفض جاحدى الإيمان
إن كان بيت الرب مفتوحا للجميع حتى بالنسبة للمؤمنين الساقطين ، أيا كان سقوطهم ، لكن الدخول إليه هو خلال " التوبة " .
من يبقى فى جحوده إنما يبقى خارج بيت الرب ، ليس تحت رعاية ، يتعرض حتما للوحوش المفترسة وسط الوعر الخارجى الذى اختاره .
يتطلع النبى إلى رافضى الإيمان ليرى مراقبيهم عميا كلهم بلا معرفة روحية ( إش 56 : 10 ) إذ لا ينعمون بعطية الروح القدس واهب الأستنارة ، صاروا ككلاب عاجزة عن النبح ، لا تقدر أن تنطق حتى بكلمة للبنيان لخلاص القطيع ، متهاونون ومتراخون :
" حالمون مضطجعون محبو النوم " إش 56 : 10 . رعاتهم ككلاب تأكل ولا تنبح ، تهتم بالربح القبيح لا بنفع الشعب ، أى طماعون لا يفهمون الحب الرعوى الباذل ( إش 56 : 11 ) . يسكرون ويلهون ، بل ويدعون الآخرين ليشاركوهم سكرهم وترفهم ، حاسبين أن حياة اللهو والترف تدوم إلى الغد بل ويتوقعون ترفا أكثر مما هم عليه .
هذه هى صورة الرعاية الفاقدة للحب الإلهى الحق .