منتدي ام النور بالكشح
يشرفنا تسجيلك بالمنتدي وتنال بركة ام النور مريم
منتدي ام النور بالكشح
يشرفنا تسجيلك بالمنتدي وتنال بركة ام النور مريم
منتدي ام النور بالكشح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي ام النور بالكشح


 
دخولدخول  الرئيسيةالرئيسية  ++البوابة++++البوابة++  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  

 

 إشعياء – الإصحاح الخمسون

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مارى امين
عضو مميز
عضو مميز



عدد المساهمات : 53
نقاط : 151
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 16/09/2009

إشعياء – الإصحاح الخمسون Empty
مُساهمةموضوع: إشعياء – الإصحاح الخمسون   إشعياء – الإصحاح الخمسون Icon_minitimeالأحد أكتوبر 04, 2009 1:19 am

بذلت ظهرى للضاربين

فى الإصحاح السابق رأينا صورة رائعة لعمل الله الخلاصى ، فقد أعلن أنه أعظم حبا من عاطفة الأم نحو رضيعها ، لن ينسى شعبه بل نقشه على كفه وأقامه عروسا مقدسة وملكة متوجة تشاركه أمجاده السماوية . أمام هذا الحب الإلهى وقفت الأمة اليهودية متذمرة عليه وجاحدة الإيمان به ، لذا صار يعاتبها على جحودها ، طالبا قبول عمل الصليب فى حياتها .



( 1 ) كتاب الطلاق

كان اليهودى إذا ما طلق إمرأته ولو بدون سبب مقبول يعطيها كتاب طلاق ويطردها من بيته ، كما كان يمكنه أن يبيعها أمة لدائنيه ( تث 24 : 1 – 3 ) ، وكان يجوز له أن يبيع أولاده لدائنيه ..

أما الله فلم يفعل بهم هكذا ، إنه يسأل الأمة اليهودية التى جحدته ورفضت الإيمان به عن كتاب طلاقها مؤكدا لها أنه لم يرد أن يطلقها ولا أن يطردها إنما هى طلقت نفسها بنفسها ، وطردت نفسها من بيت الله عريسها خلال زناها ورجاساتها فكسرت الزواج المقدس .

" هكذا قال الرب : أين كتاب طلاق أمكم التى طلقتها ؟! أو من هو من غرمائى الذى بعته إياكم ؟! هوذا من أجل آثامكم قد بعتم ، ومن أجل ذنوبكم طلقت أمكم " إش 50 : 1 .

لقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله ( يو 1 : 11 ) ، لهذا ففى عتاب أبوى يسأل رافضى الإيمان أن يظهروا كتاب الطلاق أو إسم الدائن الذى إياه سلمه أولاده ، كأنه يقول لهم إنى لا أود طلاق أمكم ولا أن أبيعكم لأحد .

هى إختارت إبليس عدوى عريسا لها وأنتم بعتم أنفسكم بملذات الخطية وشهواته ، وكما قال السيد المسيح لمقاوميه " أنتم من أب هو إبليس " يو 8 : 44 .

الله لا يريد هلاكنا بل يطلب أن نكون دائما ملتهبين بالروح كعروس متهللة بعريسها لا أن يكونوا كزوجة متمردة تترك بيتها .

من جانبها تركته ورفضت أن تعيش فى فرح العرس السماوى الدائم ، أما من جانبه فإنه يعمل لحسابهم كمخلص يفديهم بحياته ، قدير لا يعجز عن العمل من أجلهم ، إذ يقول :

" هل قصرت يدى عن الفداء ؟! وهل ليس فى قدرة للأنقاذ ؟! هوذا بزجرتى أنشف البحر ، أجعل الأنهار قفرا ، ينتن سمكها من عدم الماء ويموت بالعطش . ألبس السموات ظلاما وأجعل المسح غطاءها " إش 50 : 2 ، 3 .

لقد جاء السيد بنفسه كما إلى بيته ليخلص بعدما ناداها خلال الناموس والأنبياء ، جاء ليخلص ومع هذا ففى سخرية قالت أمته وخاصته : " خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها ، إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به " مت 27 : 42 .

هكذا سخرت به أمته ، مع أنه هو الذى أقام لها طريقا وسط بحر سوف ونهر الأردن ، وعند صلبه ثارت الطبيعة فانكسفت الشمس وانخسف القمر ، وحل الظلام على وجه الأرض .



( 2 ) طاعة الصليب

يرى بعض الدارسين والآباء أن المتحدث هنا إشعياء النبى الذى أعلن أن الله وهبه لسان المتعلمين لكى يغيث النفوس الخائرة بكلمة الرب الحية ، هذه الكلمة ليس لها زمن معين إنما تعمل فيه كل صباح ، فتهبه أذنا روحية قادرة على الإستماع للصوت الإلهى ( إش 50 : 4 ) .

" يوقظ ( يضيف ) لى أذنا لأسمع " إش 50 : 4 .

يعنى إضافة ( الأذن ) التى من الروح .. فإنه بعدما وهبه الروح قلب الأنبياء لم يعد له قلب بشرى بل صار له قلب روحى ، وكما قال الرسول " لنا فكر المسيح " 1 كو 2 : 16 . وكأنه يقول : لقد قبلت بركة الروح وتعلمت الأمور التى لا ينطق بها إنسان ولم يكن أحد منا ولا من الأنبياء يدركها بذهنه الذاتى .

إن كان النبى يتحدث عن نفسه أنه تمتع بأذن روحية إضافية ، ربما يعنى أكثر مما تمتع ها أنبياء كثيرون ، فإن النبى يتحدث أيضا عن نفسه كرمز للسيد المسيح ، كما سبق فتحدث داود النبى عن نفسه كرمز للمسيا .



إن كان السيد المسيح قد جاء معلما للبشرية لكنه جاء فريدا فى ذلك من جهة الآتى :

أ – وهو كلمة الله واهب الحكمة والعلم والمعرفة قبل ناسوتنا فصار ابن الإنسان الذى يخضع ويطيع . إنه العبد العبرانى الذى بإرادته تقدم إلى سيده فى اليوبيل ليثقب أذنه من أجل غيرته على بيت أبيه ( حز 21 : 6 ) .

لهذا يقول : " السيد الرب فتح لى أذنا وأنا لم أعاند ، إلى الوراء لم أرتد " إش 50 : 5 . قدم نفسه بإرادته لا لثقب أذنيه فحسب وإنما لبذل حياته ، فأطاع حتى الموت موت الصليب



فى طاعته الباذلة والمملوءة حبا قدم ليس فقط أذنيه للثقب ، وإنما أيضا ظهره للضرب ، وخديه للناتفين ووجهه للعار والبصق .. قدم كل حياته محتملا الآلام لنحسب نحن العصاة مطيعين فيه ، ونجد نحن المتألمون فيه راحة .

فى نبوة صريحة واضحة تحدث إشعياء النبى عن أحداث الصليب فقال على لسان المخلص
بذلت ظهرى للضاربين ، وخدى للناتفين ، وجهى لم أستر عن العار والبصق

إش 50 : 6 .

+ اظهرت لى تدبير تعطفك ...

احتملت ظلم الأشرار ، بذلت ظهرك للسياط ، وخديك أهملتهما للطم .

لأجلى يا سيدى لم ترد وجهك عن خزى البصاق ..

أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب ...

+ ذاك الجاهل كيف تجاسر وتفل فى وجهه ؟!

كيف تجاسرت أيها اللسان أن تنضح بالبصاق ؟!

كيف احتملت أيتها الأرض هزء الإبن ؟!

منظر مخوف ، مملوء دهشة ، أن يرى الإنسان الشمع قائما يتفل فى وجه اللهيب ..

وهذه أيضا من أجل آدم حدثت . لأنه كان مستحقا البصاق ، لأنه زل !

وعوض العبد قام السيد يقبل هذا كله !



قدم وجهه ليستقبل البصاق ، لأنه وعد فى إشعياء أنه لا يرد وجهه عن احتمال خزى البصاق ! ..



سلم السيد المسيح نفسه للآلام حتى الأعماق ، محتملا كل خزى وعار ليكمل طريق الطاعة عنا وبإسمنا ، معلنا عجز الألم والعار عن تحطيم المؤمنين ، مؤكدا أن طريق الصليب ملوكى يدخل بنا إلى بره ، إذ يقول :

" عرفت أنى لا أخزى ، قريب هو الذى يبررنى " إش 50 : 7 ، 8 .

يقول الرسول بولس : " الفداء الذى بيسوع المسيح الذى قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره " رو 3 : 25 .

+ أما قولـه " لإظهار بره " فماذا يعنى ؟ ... ليس فقط من جهة كونه بارا ، وإنما يجعل أولئك الممولئين بقروح الخطية النتنة أبرارا ...

إذا لا تشك .... لا ترفض بر الله الذى هو ليس بأعمال ( الناموس ) إنما بالإيمان ( الحى ) وهو سهل ومفتوح للجميع .



( 3 ) دعوة للطاعة :

أطاع الرب لكى يدعونا إلى الطاعة ، فصار مثالا لنا ، كما صار عونا فيه نختفى فنسلك طريق الطاعة ... إذ يقول : " من منكم خائف الرب سامع لصوت عبده ، من الذى يسلك فى الظلمات ولا نور له ، فليتكل على إسم الرب ويستند إلى إلهه " إش 50 : 10 .

كأن من يريد التمتع بنور الطاعة والأستماع لصوت الرب ومسيحه فليتكل عليه لينقذه من ظلمات العصيان .

يشبه العصاة بالقادحين نارا من عندياتهم ( إش 50 : 11 ) ليبخروا للرب بخورا غريبا ، ليس بخور الطاعة الممتزجة بالحب ، إنما بخور الأنانية والأتكال على الذات .. لذا يليق بنا ألا نشعل نار برنا الذاتى وحكمتنا البشرية إنما نتقبل نار روح الله القدوس واهب البر والطاعة للوصية .

+ ليتنا لا نسير على ضوء نارنا ( إش 50 : 11 ) واللهيب الذى أشعلناه نحن ، فإننى أعرف نارا مطهرة أرسلها المسيح على الأرض ( لو 12 : 49 ) ، وهو نفسه بطريقة رمزية بدأ نارا تبدد ما هو مادى فى العادات الرديئة ، هذه النار يريد أن يلهبها بسرعة ، إذ يشتاق أن يسرع بنا إلى صنع الصلاح .



( القديس غريغوريوس النزينزى )


إشعيا – الإصحاح الثالث والأربعون
ليس غيرى مخلص

قدم الإصحاح السابق صورة قاتمة لما بلغ إليه الشعب فى فترة السبى البابلى فصاروا كعمى وصم ، لهم أعين وآذان لكنهم لم يلاحظوا عمل الله ولم يسمعوا صوته . هذه صورة خفيفة لعمل الخطية فى حياة البشرية لذا صارت الحاجة إلى تدخل الهي ، هو وحده يقدر أن يفدى ويخلص ، يحطم كل عقبة تقف فى حياة أولاده دون انتظار لمكافأة أو لمقابل من جانبهم .



( 1 ) لا تخف فإنى معك :

يبدأ حديثه هكذا : " والآن هكذا " إش 43 : 1 ، كأن الله يريد أن يغير الصورة السابقة ، صورة سبى الخطية المر ، الذى أفقدنا البصيرة الداخلية وآذان النفس ، وذلك بتقديمه غنى مواعيده الخلاصية وفيض نعمته الفائقة .

الآن ما هو دور الفادى المحرر من سبى الخطية ؟

( أ ) الله الخالق وحده يقدر أن يجدد الخليقة : " والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل ، لا تخف لأنى فديتك " إش 43 : 1 .

كانت الحاجة ماسة إلى ابن الله الواحد مع الآب والمساوى له فى الجوهر أن يقدم نفسه ذبيحة قادرة على الإيفاء بدين خطايانا وتحقيق العدالة والرحمة الإلهية فى ذات الوقت .

( ب ) اهتمام شخصى من جانب المخلص نحو الإنسان ، الله لم يخلق الإنسان وكأنه كبقية المخلوقات ، إنما اعطاه اهتماما خاصا كخليقة محبوبة لديه ، يعرف الإنسان باسمه فيدعوه ويفديه ليكون له ، أى لينعم الإنسان بالأتحاد معه .

ما أجمل صوت الفادى حين يناجى كل إنسان ، قائلا :

" لا تخف لأنى فديتك ،

دعوتك باسمك ،

أنت لى " إش 43 : 1 .

( ج ) الله المخلص هو سر نصرتنا ، مادام معنا لا تغمرنا مياة هذا العالم ولا تحرقنا نيران الشهوات .

"إذا اجتزت فى المياة فأنا معك ، فى الأنهار فلا تغمرك . إذا مشيت فى النار فلا تلدغك ، واللهيب لا يحرقك " إش 43 : 2 .

صورة رائعة لعمل المخلص ، يهبنا ذاته فلا يقدر الموت بكل وسائله وطرقه أن يبتلعنا .. نحمل مسيحنا " القيامة " يو 11 : 25 . فينا فنمارس الحياة المقامة الغالبة للموت .

د – المخلص يدفع الثمن ، فقد تطلعت الكنيسة الأولى إلى الصليب كإيفاء للدين الذى علينا نحو الآب ، وكإقتناء لنا من يد إبليس الذى اشترانا عبيدا له فدفع الرب دمه ثمنا لذلك من أجل تحريرنا . هذا هو عمل المخلص القدوس الذى يريد تقديسنا بدمه وتحريرنا من عبودية إبليس ، لذلك يقول :

" لأنى أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك ، جعلت مصر فديتك ، كوش وسبا عوضك " إش 43 : 3 .

لقد اشترانا الرب لا بذهب أو فضة إنما بدمه الثمين ليقيمنا ملوكا وكهنة :

" لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة ، وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة " رؤ 5 : 9 ، 10 .

" لأنكم قد اشتريتم بثمن ، فمجدوا الله فى أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله " 1 كو 6 : 20

" لقد أشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس " 1 كو 7 : 23 .

( هـ ) المخلص يرد لنا مجدنا ووحدتنا : غالبا ما يئس الكثيرون أثناء السبى من إمكانية العودة إلى بلادهم بسبب طول مدة بقائهم فيه ، لكن الله المخلص يطمئن أولاده قائلا :

" لا تخف فإنى معك . من المشرق آتى بنسلك ومن المغرب أجمعك . أقول للشمال أعط وللجنوب لا تمنع . إيت ببنى من بعيد وببناتى من أقصى الأرض . بكل من دعى بأسمى وكمجدى خلقته وجبلته وصنعته " إش 43 : 5 – 7 .

يلاحظ فى هذا الإصحاح أن الله يتحدث عن نفسه " أنا " لا يقل عن 36 مرة حتى دعى أصحاح " الذات الإلهية " أو " الأنا الإلهية " وقد تكرر نفس الأمر فى الإصحاح الخامس والأربعين 31 مرة .. ماذا يعنى هذا ؟ إن كان عمل الخطية هى تحوصل الإنسان فى " الأنا " ، فيجد فى نفسه مركزا للعالم وللآخرين ، يود أن يتمتع بالملذات الجسدية أو الكرامة لحسابه الخاص فى كبرياء وأنانية ، فإن مسيحنا على العكس يقدم ذاته التى هى " الحب " لكى نقتنيه .عندما ينادينا ألا نخف ، وعندما يدعونا بالأسم ، ويؤكد رعايته لنا أينما وجدنا ومهما حلت بنا من تجارب وعندما يقدم لنا مواعيده بأن يجمعنا من أقاصى المسكونة لكى يضمنا إليه .. إنما فى هذا كله لا يطلب ما لنفسه بل ما هو لنا .يهبنا معيته لكى نقتنيه . لهذا بين الحين والآخر يقول " إنى معك " ، وأنه لنا ، نصيبنا الأبدى .



( 2 ) أنتم شهودى

ماذا يقدم الله لنا ؟

يقدم ذاته نورا لنا فيفتح حواسنا لنبصر أمجاده فينا وملكوته السماوى معلنا داخلنا ، ويفتح آذاننا لنسمع صوته الإلهى وندرك غاية وصيته ، فتصير لنا آذان الأبناء الذين يعرفون صوت أبيهم بل حتى حركة رجليه .. هذا ما عناه بقوله :

" اخرج الشعب الأعمى وله عيون والأصم وله آذان " إش 43 : 8 .

هذا هو دور الله مخلصنا فى حياتنا الداخلية حيث يجدد طبيعتنا فى مياة المعمودية بروحه القدوس ليهبنا الإنسان الجديد القادر على التمتع بالشركة الإلهية .

خلال هذه الخبرة نشهد للغير ، فتدعو الكنيسة لإجتماع عام للأمم ( إش 43 : 9 – 13 ) للتعرف على المخلص وتأكيد تحقيق ما سبق فوعد به خلال أنبيائه عبر الأجيال قبل مجيئه

" اجتمعوا يا كل الأمم ولتلتئم القبائل . من منهم يخبر بهذا ويعلمنا بالأوليات ، ليقدموا شهودهم ويتبرروا ، أو ليسمعوا فيقولوا صدق . أنتم شهودى يقول الرب وعبدى الذى اخترته لكى تعرفوا وتؤمنوا بى وتفهموا أنى أنا هو . قبلى لم يصور إله وبعدى لا يكون . أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص .. " إش 43 : 9 – 11 .

يطالب الله من تمتع بالبصيرة الجديدة والآذان الروحية الجديدة أن يدعو الأمم والقبائل للدخول معهم فى حوار عملى خلال ما يعيشونه . فى هذا الحوار يسألوا الأمم إن كان عندهم نبوات سابقة واضحة وأكيدة فيما يخص المستقبل ( إش 41 : 22 ) . أما نحن فقد تقبلنا نبوات لا عن انتصار كوش على بابل لإنقاذ شعب الله القديم ، وإنما عن المسيا ، العبد المختار .

يؤكد الكتاب المقدس أن الله وحده هو المخلص : " أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص " إش 43 : 11 . الله الخالق فى غيرته على محبوبه الإنسان ، لا يأتمن خلاصه على أحد بل يرعى شعبه بنفسه ويبذل حياته عنه " الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف " يو 10 : 11 . هو خلق وهو الذى يجدد الخلقة ويخلصها !



( 3 ) سقوط بابل

الله الذى سمح بتأديب شعبه بالسبى البابلى الآن من أجل محبته لشعبه يسمح بسقوط بابل . يتحدث بصيغة الماضى ليؤكد لسامعيه أن ما سيحدث هو حقيقة واقعة لا بد أن تتم .

جاء النص مختلفا من ترجمة إلى أخرى مع بقاء المعنى ثابتا :

" هكذا يقول الرب فاديكم قدوس إسرائيل : لأجلكم أرسلت إلى بابل وألقيت المغاليق عليها ( أحدرت نبلاءها ) والكلدانيون فى سفن ترنمهم ( صراخهم فى سفنهم ) " إش 43 : 14 .

هنا يظهر الله كقائد للجيوش المعادية يرسل مادى وفارس إلى بابل ، وهناك يلقى بالرعب فى قلوب سكانها فيهربون سريعا .



( 4 ) خروج جديد

الله الذى يخلص شعبه أن وهبهم خلاصا على يدى موسى ليحررهم من عبودية فرعون ، وها هو يخرجهم من السبى البابلى كما فى خروج جديد ، ويبقى على الدوام يخرج بهم من أسر الخطية إلى حرية مجد أولاد الله ، ينطلق بهم كما من أعمال الإنسان العتيق إلى التمتع المستمر بأعمال الإنسان الداخلى الجديد .

" هكذا يقول الرب الجاعل فى البحر طريقا وفى المياة القوية مسلكا ، المخرج المركبة والفرس الجيش والعز . يضطجعون معا لا يقومون . قد خمدوا كفتيلة انطفأوا " إش 43 : 16 ، 17 .

هذا الخلاص الذى تحقق ضد فرعون وأيضا ضد بابل يجب أن يتم ضد أعمال الإنسان العتيق ( كو 3 : 9 ) ، لذا يكمل النبى حديثه ، قائلا :

" لا تذكروا الأوليات ، والقديمات لا تتأملوا فيها ، هأنذا صانع أمرا جديدا ، الآن ينبت ، ألا تعرفونه ؟! اجعل فى البرية طريقا ، فى القفر أنهارا " . إش 43 : 18 ، 19 .

يريدنا ليس فقط أن نخلع الإنسان القديم بأعماله وإنما أن ننساه تماما ولا نعود نذكره أو نتأمل فيه حتى لا نيأس ونتحطم ، إنما بالحرى ننشغل بالحياة الجديدة التى تنبت فينا . إنه يجعل فى البرية طريقا وفى القفر أنهارا . ما هذا الطريق إلا السيد المسيح نفسه القائل :

" أنا هو الطريق " يو 14 : 6 .

يؤكد الله انفتاح باب الإيمان أمام الأمم لأقتناء شعب جديد ، يعرف الفرح الداخلى والتسبيح ، قائلا :

" يمجدنى حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأنى جعلت فى البرية ماء أنهارا فى القفر لأسقى شعبى مختارى ، هذا الشعب جبلته لنفيى ، يحدث بتسبيحى " إش 43 : 20 ، 21 . يشبه الأمم بالحيوانات المفترسة التى تعيش فى البرية ، ذلك بسبب ما اتسموا به من عنف شديد ، ولأنهم عاشوا كما فى البرية ليس بينهم مواعيد ولا عهود ولا شريعة إلهية إلخ .. فى حالة قفر شديد . هؤلاء القساة صاروا يتمتعون بماء أنهار الروح القدس ليشربوا ويرتوا ، ويقبلوا العضوية فى شعب الله المختار . بهذا تتغير طبيعتهم خلال عمل الثالوث القدوس فيهم وينفتح قلبهم للفرح ولسانهم للتسبيح .

ما أجمل العبارة الإلهية : " هذا الشعب جبلته لنفسى ! " إش 43 : 21 صرنا له ، نصيب الرب ، كما هو لنا نصيبنا ! .



( 5 ) الخلاص عطية مجانية :

الله يقدم أعماله الخلاصية مجانا للبشرية ، لكن هناك بعض العوائق التى عطلت مقاصد الله مع الشعب القديم الذى رفض الإيمان بالمخلص ، هذه العوائق هى :

أ – عدم الصلاة : " وأنت لم تدعنى يا يعقوب حتى تتعب من أجلى يا إسرائيل " إش 43 : 22 ..فإن الصلاة هى سر قوتنا ، سر تمتعنا بعمل الله وكما يقول الآباء : تفعل الصلاة ما تحب كما يستطيع الله ! ..

ب – تجاهل الله حتى فى الأمور الصغيرة : " لم تحضر لى شاة محرقتك وبذبائحك لم تكرمنى . لم استخدمك بتقدمة ولا أتعبتك بلبان . لم تشتر لى بفضة قصبا وبشحم ذبائحك لم ترونى " إش 43 : 23 ، 24 .

حينما أخرج الله شعبه من مصر لم يكن فى عوز إلى تقدماتهم وذبائحهم الحيوانية ، إنما كان يطلب قلوبهم ، يشتاق أن يقربهم إليه بكونهم شعبه الخاص ، أما الذبائح فكانت رموزا لذبيحة المسيح ، وعلامة حب له .. كان ينتظر أن يقدموا قلوبهم مع محرقاتهم وذبائحهم وبخورهم الخ ....

جـ - الأنشغال بالملذات الجسدية والشهوات العالمية : " لكن استخدمتنى بخطاياك وأتعبتنى بآثامك " إش 43 : 24 . عوض تكريم الرب بتقديم القلب ذبيحة محرقة مع ممارسة العبادة انحرف الشعب إلى الأنانية والأرتباك بالأمور الزمنية ..

مع ما بلغنا من الشر يبقى الله منتظرا توبتنا واعترافنا بخطايانا لكى يغفرها لنا من أجل اسمه القدوس ومحبته الفائقة ، مؤكدا لنا : " أنا هو الماحى ذنوبك لأجل نفسى وخطاياك لا أذكرها ، ذكرنى فنتحاكم معا . حِدث لكى تتبرر " إش 43 : 25 ، 26 .

يجب ألا نخجل من الأعتراف بالخطايا ، فإن آباءنا الأولين سبقوا أن أخطأوا ، فى مقدمتهم آدم الأول : " أبوك الأول أخطأ ووسطاؤك عصوا على " إش 43 : 27 .

أما ثمرة الخطايا والعصيان فهى " اللعنة " وفقدان الكرامة ، إذ قيل : " دفعت يعقوب إلى اللعن وإسرائيل إلى الشتائم " إش 43 : 28 .

إشعياء – الإصحاح الثانى والأربعون
العبد المختار

يحوى هذا الإصحاح إحدى التسابيح الممتعة الخاصة بالسيد المسيح ، أو تسابيح " عبد يهوه " [ إش 42 : 1 – 4 ، 49 : 1 – 6 ، 50 : 4 – 9 ، 52 : 13 – 53 : 12 ] .

حاول البعض تطبيق التسبحة التى بين أيدينا على إسرائيل أو على إشعياء وبالأكثر على كورش ، لكن من الواضح أنها تخص السيد المسيح نفسه ، كما أكد الإنجيليون ذلك ( مت 12 : 17 – 21 ) .



( 1 ) عبد الرب المختار

تقدم لنا التسبحة هنا شخص العبد المختار الذى هو السيد المسيح بعينه ، إذ جاء فيها :

أولا : " هوذا عبدى الذى أعضده ، مختارى الذى سرت به نفسى " إش 42 : 1 . ليس عجيبا أن يدعى المسيا " عبد يهوه " أو " عبد الرب " مع أنه كلمته المولود أزليا وواحد معه فى ذات الجوهر الإلهى ، إنما بحبه الإلهى اشتاق أن ينزل إلى عبوديتنا ليحملنا إلى أمجاده ، وكنائب عنا أطاع الآب حتى الموت موت الصليب ، حتى يحقق خلاصنا ويثبتنا فيه فنحسب مطيعين ونصير موضع سرور الآب ( أف 1 : 3 – 5 ) .

إن كان الآب قد اختار ابنه الوحيد ليتمم الخلاص ، معلنا كمال الحب الإلهى ، فإننا إذ ندخل فيه وننعم بالعضوية فى جسده نصير نحن أيضا مختارين من الأبن موضع حبه وسروره !

اقتبس الأنجيلى متى ما ورد هنا فى إش 42 : 1 – 3 كنبوة صريحة عن السيد المسيح ( مت 12 : 17 – 21 ) ، مؤكدا النقاط التالية :

أ – المختار لتتميم الخلاص .

ب – فيه سر الآب بنا .

جـ - مشتهى الأمم ورجاؤهم .

د – بالوداعة يهب النصرة .

هـ - يترفق بكل ضعيف .

ثانيا : " وضعت روحى عليه " إش 42 : 1 . المسيا كلمة الآب ، الواحد معه والمساوى له فى ذات الجوهر ، لذا فالروح القدس الذى هو روح الآب هو روح الإبن أيضا .

ثالثا : " فيخرج الحق للأمم " إش 42 : 1 . إن كان الرب قد أدب الأمم لكنه جاء إليهم بكونه " الحق " كى يقبلوه فى حياتهم سر خلاص أبدى ، إذ يقول : " أنا هو الطريق والحق والحياة ، ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بى " يو 14 : 6 .

رابعا : " لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع فى الشارع صوته " إش 42 : 2 . فقد جاء يعلن صوت الحب العملى الهادىء خلال البذل حتى الصليب ، منبره الصليب ، وكلماته هى جراحات جسده الناطقة بالحب .

جاء إلينا كلمة الله ليعلمنا حياة العمل الحق النابع عن الحب مع سكون النفس وهدوئها فيه عوض الإنشغال بالكلمات الكثيرة البراقة والمظاهر الخارجية المخادعة . علمنا الكلمة الإلهى كيف نتكلم بالحب والحياة العملية فيتجلى هو فينا !

خامسا : " قصبة مرضوضة لا يقصف ، وفتيلة خامدة لا يطفىء ، إلى الأمان يخرج الحق " إش 42 : 3 .

جاء مسيحنا إلى النفوس المحطمة لكى يبعث فيها الرجاء ، لا يجرح مشاعر الخطاة ولا يداهنهم .ينطق بالحق مع الحب حتى يضمد كل جرح ملتهب ، ويسند كل نفس متعبة .

سادسا : " لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق فى الأرض وتنتظر الجزائر شريعته " إش 42 : 4 .

اتسم مسيحنا بالحب العملى والوداعة ، فى محبته يفتح أبواب الرجاء أمام الخطاة مهما بلغت شرورهم . على خلاف الإنسان الذى يقسو على أخيه ويحسب نفسه أبر منه ، ويغلق الباب أمام الكثيرين . هذا الحب الإلهى الوديع يرافقه عمل الهي بلا توقف حتى الموت موت الصليب ، وفى هذا لم ينكسر بل تمجد بالقيامة ، وأعلن الحق بتحقيق الخلاص .

يحاول بعض الدارسين أن يفسروا كلمة " الجزائر " هنا بأنها أوربا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو استراليا .



( 2 ) دعوة عبد الرب :

الله فى حبه خلق السموات والأرض من أجل الإنسان ( إش 42 : 5 ) ، وها هو يدعو الإبن الذى صار إنسانا ليقيمه عهدا للشعب ونورا للأمم ( إش 42 : 6 ) ، يفتح البصيرة الداخلية لمعاينة ملكوت الله ، ويحرر المأسورين فى سجن الظلمة الأبدى ليعيشوا فى حرية مجد أولاد الله ( إش 42 : 7 ) .

يعلق الشهيد يوستين على القول الإلهى : " أنا الرب هذا اسمى ومجدى لا أعطيه لآخر ولا تسبيحى للمنحوتات " إش 42 : 8 هكذا [ إننى أقول ( لليهود ) : ألا تدركوا يا أصدقائى أن الله يعطى الذى أقامه نورا للأمم مجدا ولا يعطيه لآخر ] . فما يناله الإبن المخلص من أمجاد إنما يناله الثالوث القدوس بكونهم الله الواحد فى الجوهر واللاهوت .

" وأجعلك عهدا للشعب " إش 42 : 6 .

العهد الجديد : هو الدم .. هو ذبيحة المسيح القادرة على إقامة ميثاق بين الآب والإنسان ، لتهبنا قرابة روحية سماوية فنحسب بالحق ابناء ثابتين فى الإبن الوحيد الجنس ، خلالها نتمتع بالوليمة السماوية الواهبة الحياة .

" وأجعلك .. نورا للأمم " إش 42 : 6 ، فالمسيح هو النور الإلهى الذى يفتح بصيرتنا الداخلية لنعاين النور . لهذا يقول المرتل : " بنورك يارب نعاين النور " ، ويقول الأنجيلى : " النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان آت فى العالم " يو 1 : 9 .



( 3 ) التسبحة الجديدة :

" غنوا للرب أغنية جديدة ، تسبحة من أقصى الأرض " إش 42 : 10 . ما هى هذه التسبحة التى تتسم بالجدة والتى ينطق بها البشر من أقصى الأرض إلا تسبحة المفديين القادمين من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة ، الواقفين أمام العرش وأمام الحمل ...:

" وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين : الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف " رؤ 7 : 10 .

ترنيمة جديدة لأنها تهب تجديدا لا ينقطع خلال " الحياة الجديدة التى فى المسيح " .

يلاحظ فى هذه التسبحة الآتى :

أ – تسبحة جديدة لا تشيخ ولا تقدم قط ، لأنها تعبر عن تمتع بحياة الفرح السماوى الذى لا يقدم . هكذا تتحول تنهدات الخليقة إلى شركة فى تسبيح السمائيين .

ب – تسبحة جامعة تضم أعضاء من أقصى الأرض ، تكشف عن فرح ساكنى الأرض ، والبحار ، وسكان الجزائر ( إش 42 : 10 ) . تنبع عن أعماق القلب الداخلى لا عن الظروف الخارجية ، لذا يمارسها المؤمن أينما وجد ، فى البر والبحر ، فى البرية أو فى مدينة أو فى قرية أو فى كهف على رأس جبل ( إش 42 : 10 ، 11 ) .

جـ - سر البهجة تقدم المسيح الرب الصفوف كقائ المعركة الروحية ، " يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه " إش 42 : 13 . هى تسبحة الغلبة والنصرة فى المسيح الهاتف بالغلبة على إبلي وكل قواته الشريرة .

( 4 ) تفريغ للقديم :

سر تسبيحنا هو تفريغ أعمال الإنسان العتيق من أعماقنا خلال تقبلنا لأعمال الإنسان الجديد فى المسيح يسوع .. الأمر المذهل للغاية حتى قيل :

" قد صمت منذ الدهر .. سكت ، تجلدت " إش 42 : 14 .

يشبه ترك الإنسان القديم والتمتع بالإنسان الجديد بالمرأة التى تلد ، فإنها تصيح من الألم لكنها تنجب إنسانا جديدا ، هكذا نحن نتمتع خلال السيد المسيح كما بإنجاب عالم جديد فى داخلنا : " كالوالدة أصيح ، أنفخ ، وأنخر معا " إش 42 : 14 .

كما يشبه الأمم العظيمة والصغيرة بالجبال والتلال التى يجفف كل عشبها ( إش 42 : 15 ) ، يجفف محبتها للأرضيات التى هى أشبه بالعشب الفانى .

كما يشنهها بالأنهار التى يجعلها تيبس ( إش 42 : 15 ) .. هكذا ينتزع مياهها القديمة ليهبها الماء الحى .

مرة أخرى يشبهها بالعمى السالكين فى الظلمة يحتاجون إلى إزالة العمى والظلام ليتمتعوا بالنور ويسيروا فى الطريق الروحى الجديد الحق عوض سلوكهم فى المعوجات ، إذ يقول : " وأسير العمى فى طريق لم يعرفوها ، فى مسالك لم يدروها امشيهم ، أجعل الظلمة أمامهم نورا والمعوجات مستقيمة " إش 42 : 16 .



( 5 ) دعوة للشعب الأصم الأعمى

يرى كثير من الآباء أن الشعب الأصم الأعمى هم اليهود الذين لم يصغوا لصوت الأنبياء بخصوص السيد المسيح ، وقد انطمست عيونهم عن إدراكه فيمجدوه ... لهذا يعاتبهم :

" أيها الصم اسمعوا ، أيها العمى انظروا لتبصروا .

من هو أعمى إلا عبدى وأصم كرسولى الذى أرسله ؟!

من هو أعمى كالكامل وأعمى كعبد الرب ؟! إش 42 : 18 – 19 .

يوبخهم قائلا :

" ناظرا كثيرا ولا تلاحظ " إش 42 : 20 . فقد جاء السيد المسيح فى وسطهم وصنع عجائب ورأوا ما لم تره شعوب أخرى ، ومع هذا لم يلاحظوا أنه مخلص العالم بل صلبوه عن حسد !

" مفتوح الأذنين ولا يسمع " إش 42 : 20 ، سمعوا النبوات كما سمعوا صوت السيد المسيح ، ومع هذا لم يستجيبوا لا لصوت الأنبياء المشير نحو المسيح ولا لصوت الرب نفسه عند مجيئه .

العيب فيهم لا فى الشريعة الموسوية فإن الله يعظم الشريعة ويكرمها ( إش 42 : 21 ) . لكن الشعب نهب منه عدو الخير أعماق الشريعة وسلبه المفهوم النبوى الروحى فسقط فى حفرة الجحود وانحبس فى إنكار الإيمان ، نهبهم عدو الخير من التمتع بمن أشارت إليه الشريعة وسلبهم ما وهبت كتب العهد القديم ، وليس من يرد لهم ما فقدوه ( إش 42 : 21 – 22 ) ، لأنهم سقطوا تحت الغضب الإلهى .

يرى اليهود أن ما ورد فى هذا الجزء ( 42 : 18 – 25 ) لا ينطبق عليهم وإنما على الوثنيين أو على بعض الأفراد .
إشعياء – الإصحاح الثانى والثلانون
المسيح واهب السلام

يعتبر هذا الإصحاح ختاما جميلا للحديث عن الصراع الذى قام بين أورشليم وأشور ، فبعدما كرر التحذير من الألتجاء إلى فرعون والإتكال على الذراع البشرى ، يقدم لنا السيد المسيح كملك روحى يهب السلام والعدل .



( 1 ) بركات مملكة المسيح

الحديث هنا خاص بمملكة مزدهرة ، يرى بعض الدارسين أنها مملكة حزقيا التى بدأت بالأصلاح الروحى والإجتماعى وإن كان كثيرون لم يصلحوا إلا الشكل الخارجى ، ويرون آخرون أن الحديث هنا عن السيد المسيح لأن البركات المذكورة هنا لم تتحقق فى أيام حزقيا ، غير أن فريقا ثالث يرى أنه حديث عن الملك حزقيا أو غيره من الملوك كظل للسيد المسيح .

ماذا يقدم لنا المسيح الملك ؟

( أ ) دستور العدل والحق : " هوذا العدل يملك ملك ، ورؤساء بالحق يترأسون " إش 32 : 1 .

إن كان الرب قد ملك على خشبة أى خلال الصليب ، وقد دفع ثمن خطايانا تحقيقا للعدالة ، فإنه يقيم تلاميذه ومؤمنيه كرؤساء نمارس سلطاننا الروحى لا على الآخرين وإنما على نفوسنا وأحاسيسنا ومشاعرنا وطاقاتنا لا بكبتها أو تحطيمها وإنما " بالحق " ، أى بتقديسها بالمسيح .

( ب ) عوض المتاعب والضيقات يصير هذا الملك " كمخبأ من الريح " ، يحمى المؤمنين من رياح التجارب والضغطات المرة ، " وستارة من السيل " أى كمظلة أو غطاء تحميهم من المياة الجارفة ، " وكسواقى ( أنهار ) ماء فى مكان يابس " ، أى يروى النفوس العطشى فى البرية القاحلة ، " كظل صخرة عظيمة فى أرض معيبة " يختفون فى المسيح الصخرة فلا يصيبهم ضررا .

هكذا يقدم أربعة تشبيهات لعمل السيد المسيح فى حياة مؤمنيه : مخبأ ، غطاء ، أنهار مياة ، صخرة عظيمة .

خلال هذه التشبيهات يرانا النبى أشبه بانسان مسافر يجد فى السيد المسيح كل احتياجاته ، متى هبت عليه العواصف العنيفة وجد فيه الملجأ الأمين ،

وإن لحقته سيول جارفة يجده غطاء واقيا ،

وإن عانى من الظمأ يصير له الرب أنهار مياة حية ،

وإن هاج العالم كله يستظل فيه كصخرة صلدة قادرة أن تخفيه وتحميه حتى من الموت .

بمعنى الله المخلص يقدم ذاته كل شىء لمؤمنيه حتى لا يعوزهم شيئا . لقد قدم ذاته خلال أسماء كثيرة لكى ندرك أنه سر شبعنا الحقيقى ، وكما يقول يوحنا الذهبى الفم :

[ لماذا دعى الطريق ؟ لكى نفهم اننا بواسطته نلتقى بالآب .

لماذا دعى الصخرة ؟ لكى نفهم أنه حافظ الإيمان ومثبته .

لماذا دعى الينبوع ؟ لكى نفهم أنه مصدر كل شىء .

لماذا دعى الأصل ؟ لكى نفهم أن فيه قوة النمو .

لماذا دعى الراعى ؟ لأنه يرعانا .

لماذا دعى الحمل ؟ لأنه قدم فدية عنا وصار تقدمة .

لماذا دعى الحياة ؟ لأنه أقامنا ونحن أموات .

لماذا دعى النور ؟ لأنه أنقذنا من الظلمة .

لماذا دعى الذراع ؟ لأنه مع الآب جوهر واحد .

لماذا دعى الكلمة ؟ لأنه مولود من الآب .

لماذا دعى ثوبنا ؟ لأننى التحفت به عندما اعتمدت .

لماذا دعى المائدة ؟ لأننى أغتذى عليه عندما اشترك فى الأسرار .

لماذا دعى المنزل ؟ لأننى أقطن فيه .

لماذا دعى العريس ؟ لأنه قبلنى كعروس له .

لماذا دعى بلا دنس ؟ لأنه أخذنى كعذراء .

لماذا دعى السيد ؟ لأننى عبد له .

إن سمعت هذه الأمور أرجو ألا تفهمها بمعنى مادى ، بل حلق بفكرك عاليا ، لأنها لا تؤخذ بمعنى جسدى ] .



+ من أقوال الشيخ الروحانى :

[ طوبى للذى نسى حديث العالم بحديثه معك ، لأن منك تكتمل كل حاجاته . أنت هو أكله وشربه ! أنت هو بيته ومسكن راحته ، إليك يدخل فى كل وقت ليستتر ! أنت هو شمسه ونهاره ، بنورك يرى الخفيات . أنت هو الآب والده ! أنت أعطيته روح ابنك فى قلبه ! ]



( جـ ) يقدم السيد المسيح لمؤمنيه البصيرة الروحية لترى الأمور غير المنظورة ولا تظلم عيناه الداخلتين : " لا تحسر ( تعتم ) عيون الناظرين " إش 32 : 3 .

كما يهبنا القدرة على الإستماع لوصيته والإنصات إلى كلماته بفرح : " وآذان السامعين تصغى " إش 32 : 3 .

يقدم حكمة مع علم وفهم : " وقلوب المتسرعين تفهم علما " إش 32 : 4 .

يهب اللسان الكلام اللائق الفعال :

" وألسنة العييين ( المتلعثمين ) تبادر إلى التكلم فصيحا " .

وأخيرا يعطينا نعمة التمييز فلا نحسب اللئيم كريما ولا الماكر نبيلا ( إش 32 : 5 ) .

( د ) يميز الله بين اللئيم والكريم ، إذ هو فاحص القلوب ، ومدرك للخفيات ( إش 32 : 6 – 8 ) .



( 2 ) اضطراب خارج المسيح

الله يحدثنا عن دينونة اللئيم فى صورة حديث مع النساء المدللات المترفات اللواتى يخرجن بعد الحصاد ليقضين فترات من اللهو معا فى فرح زمنى وبطريقة جسدانية غير لائقة . لا يعود بعد يوجد عيد للحصاد ، لأن العدو يستولى على كل المحصولات .

هؤلاء النسوة يمثلن الرافضين الإيمان بالسيد المسيح ، يصبن بالآتى :

( أ ) عوض الطمأنينة والسلام يرتعدن ( إش 32 : 11 ) ...

( ب ) عوض ارتداء الثياب الثمينة يتجردن ويتعرين ويتنطق على الأحقاء ( إش 32 : 11 ) ، علامة تخلى النعمة وفقدان الستر الروحى .

ما هى هذه الثياب الثمينة التى ترتديها النفس البشرية إلا شخص السيد المسيح الذى يخفينا فيه ويستر علينا بدمه ويهبنا جماله . وكما يقول القديس بولس : " لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح " غلا 3 : 27 .

( جـ ) عوض الفرح يلطمن على الثدى نائحات كمن لهن ميت ( إش 32 : 12 ) ، فإنهن بانفصالهن عن الله مصدر الحياة فقدت نفوسهن الحياة .

( د ) عوض الفرح بالحصاد ، تنبت لهن الأرض شوكا وحسكا ( إش 3 : 13 ) ، علامة حلول اللعنة مع الجفاف الروحى .

( هـ ) تهدم قصورهن وتهجر المدن وتتحول بيوت الفرح والمدينة المبتهجة إلى قفر به أشواك وحسك ( إش 32 : 13 ، 14 ) .

( و ) تتحول الأكمة والبرج إلى مغاير دائمة ترعى فيها حمير الوحش ( رمز للشياطين الشرسة ) والقطعان ( الأفكار الحيوانية ) .

تلك هى سمات النفس خارج المسيح .



( 3 ) الروح القدس والسلام

الله – فى محبته – يطلب أولاده له لكى ينزع عنهم الرعدة والمرارة والجفاف والدمار ، فيسكب روحه القدوس علينا : " إلى أن يسكب علينا روح من العلاء فتصير البرية بستانا ويحسب البستان وعرا " إش 32 : 15 .

هنا إشارة إلى حلول الروح القدس فى عيد البنطقستى .

يصور لنا هذا العمل البنطقستى فى حياة الكنيسة ، قائلا :

" فيسكن فى البرية الحق والعدل فى البستان يقيم " إش 32 : 16 .

" ويسكن شعبى فى مسكن السلام " إش 32 : 18

أخيرا يطوب النبى الذين ينعمون بعطية الروح خلال مياة المعمودية : " طوباكم أيها الزارعون على كل المياة المسرحون أرجل الثور والحمار " إش 32 : 20 .

وكأن من يزرع على مجارى مياة الروح القدس يحمل حصادا كثيرا فلا تنقطع الثيران والحمير عن حملها دورا بعد دور ، فتمر أرجل هذه الحيوانات بحرية وتكرار .

يليق بنـــا أن نحرص ألا نفقد النعمة

إشعياء – الإصحاح الحادى والثلاثون
الإتكال على البشر

لما كان الإتكال على الذراع البشرى أمرا خطيرا يحطم الإيمان فى حياة البشرية عبر الأجيال فلا نعجب . إن عالجه إشعياء النبى مرارا من زوايا مختلفة . هنا يوضح النبى خطورة النزول إلى مصر لطلب حماية فرعون عوض ارتفاع القلب إلى الله القدوس كحصن حقيقى ومعين لشعبه .



( 1 ) الإلتجاء إلى فرعون

يقدم لنا إشعياء النبى فكرا روحيا رائعا ، فإن موضوع الإلتجاء إلى فرعون ليس مجرد خطة سياسية عسكرية لكنها موضوع لاهوتى يمس حياة الإنسان ومصيره الأبدى .

من يتكىء على البشر مهما كثر عددهم أو إمكانياتهم أو قوتهم ( إش 31 : 1 ) إنما يلتصق بأناس جسدانيين مائتين فيصير مثلهم مائتا ، أما من يلتصق بالمخلص قدوس إسرائيل غير المتغير الأبدى فيحمل معه الخلود .

" وأما المصريون فهم أناس لا آلهة ، وخيلهم جسد لا روح ، والرب يمد يده فيعثر المعين ويسقط المعان ويفنيان كلاهما معا " إش 31 : 3 .

لنتكىء إذن على الخالق الأبدى لا الخليقة الضعيفة العاجزة حتى على إعانة نفسها .

+ " لا تتكلوا على الرؤساء " مز 146 : 4 ..

الآن خلال نوع من ضعف النفس البشرية عندما يقع الإنسان فى ضيقة ييأس من جهة الله ، مختارا أن يتكىء على إنسان .

ليقل لإنسان ساقط فى ضيقة : " يوجد إنسان عظيم يحررك " ، للحال يبتسم ويبتهج وترتفع معنوياته ، أما إن قيل له " الله يحررك " فيسقط فى حاله احباط وييأس !

انك تفرح عندما تنال عونا من مائت ، فكيف تحزن عندما تنال العون من الخالق ؟!

لقد نلت وعدا بأن يحررك من هو محتاج أن يتحرر معك فترتفع معنوياتك كمن نال عونا عظيما . ها أنت تنال وعدا من ( الله ) المحرر الذى لا يحتاج إلى من يحرره ومع ذلك تيأس كأنك تنال أمرا واهنا .

ويل لمثل هذه الأفكار ، لقد ضلوا ، حقا صار فيهم موت خطير ومحزن !



( 2 ) الله حامى أولاده

إن كان عدو الخير إبليس يشبه أسدا مزمجرا يريد أن يفترس ليأكل ويشبع ويهلك فريسته ( 1 بط 5 : 8 ) ، فإن " قدوس إسرائيل " هو الأسد الخارج من سبط يهوذا ( رؤ 5 : 5 ) لا يهلك الفريسة وإنما قادر أن يحميها . يقتنى النفس كفريسة يحوط بها ليهبها سماته الملوكية فيقيم مؤمنيه " كهنة وملوكا " رؤ 1 : 6 ، يهبهم خلوده وشركة أمجاده .

الله موضع ثقة قادر أن يحمينا وأيضا أن يرعانا ، لذا يشبه نفسه بالأسد ملك الوحوش لا يقدر أحد أن يقف أمامه ، وفى نفس الوقت كطائر يهتم بصغاره ( إش 31 : 5 ) .

مسيحنا يرعانا على الصليب كأسد ربض ونام ( تك 49 : 9 ) ولم يقدر العدو أن يقترب إليه ، ولا أن يقترب إلينا .



( 3 ) دعوة للرجوع إلى الله

يكشف النبى عن غاية عمل الله معهم ، فإن الرب يحطم أشور بطريقة غير بشرية ولا طبيعية لا لاستعراض قوته الإلهية وإنما لأجتذاب نفوس جاحديه ، إذ يقول الرب :

" ارجعوا إلى الذى ارتد بنو اسرائيل عنه متعمقين ..... ويسقط أشور بسيف غير رجل وسيف غير إنسان يأكله ... " إش 31 : 6 ، 8 .

أليست هذه صورة خلاص الله تم على الصليب حيث أسقط إبليس لا بفكر بشرى ولا بسيف مادى وإنما ببذل حياته ذبيحة إثم عنا ، ومحرقة حب لحسابنا وباسمنا ، فتحطم العدو تحت أقدامنا ورجعنا إلى الله بأعماق جديدة لم يختبرها رجال العهد القديم مثلنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إشعياء – الإصحاح الخمسون
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إشعياء – الإصحاح الأربعون
» إشعياء – الإصحاح الثامن والخمسون
» إشعياء – الإصحاح التاسع والثلاثون
» إشعياء – الإصحاح الثامن والثلاثون
» إشعياء – الإصحاح الحادى والأربعون

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي ام النور بالكشح :: منتدي الكتاب المقدس-
انتقل الى: