فى أيام حزقيا يقدم إشعياء النبى مشورة لموآب أن تفى بالجزية التى تعهدت بها أمام يهوذا فترسل إليه حملان ، وهى جزية مناسبة لأن موآب مشهورة بقطعانها ( عد 32 : 4 ) . قدمت موآب فيما بعد جزية أيضا لإسرائيل ( 2 مل 3 : 4 ) . بهذه المشورة تتمتع موآب بالحماية عوض أن تصير كطائر تائه لا يجد عشا . وإذ خشى النبى ألا تقبل موآب مشورته كشف لها جراحاتها المهلكة ألا وهى الكبرياء .
هذه دعوة مقدمة لكل نفس لكى تخضع للسيد المسيح الملك الخارج من سبط يهوذا ، لكى تقدم حياتها كحمل ذبيح من أجل الرب ، فتنعم بالسلام الداخلى عوض أن يحطمها جحود الإيمان والكبرياء .
( 1 ) مشورة للخضوع ليهوذا
سبق أن رأينا قلب إشعياء النبى يتحرك بحنان شديد نحو موآب فصار يصرخ من أجلهم . الآن يقدم للموآبيين مشورة صالحة لإصلاحهم حالهم وتمتعهم بعلاقات طيبة مع بنى يهوذا وتذوقهم للسلام والحماية ، بتقديم الجزية ( حملان ) لحزقيا الملك ، كرمز لدعوة الأمم إلى الخضوع للسيد المسيح ، الأسد الخارج من سبط يهوذا ، فإنه لا سلام ولا حياة أبدية دون قبوله ملكا فى حياتنا الداخلية .
يتقدم النبى نفسه ليعلن استعداده أن يكون وسيطا أو شفيعا لدى يهوذا عن موآب ، مطالبا الموآبيين بدفع الجزية : " أرسلوا خرفان حاكم الأرض من سالع نحو البرية إلى جبل ابنة صهيون ، ويحدث أنه كطائر كفراخ منفرة تكون بنات موآب فى معابر أرنون " إش 16 : 1 ، 2 .
" سالع " اسم عبرى معناه " صخرة " ، موقع حصين فى أرض أدوم ، كأن النبى يدعو الموآبيين الذين التجأوا إلى أدوم وتحصنوا فى سالع أن يتقدموا مع بقية الموآبيين الذين فى البرية ليهوذا ، وأن يقدموا الحملان فى أورشليم " جبل ابنة صهيون " .
إنها دعوة لكل إنسان ألا يظن فى الذراع البشرى أو الإمكانيات الطبيعية ملجأ له . إنما يكمن سلامه فى بلوغ أورشليم ، وتقديم حياته ذبيحة حب لأبن داود ، الأسد الخارج من سبط يهوذا .
يقدم النبى أيضا مشورة لشيوخ يهوذا ، مطالبا إياهم أن يستقبلوا الموآبيين اللاجئين إليهم ليقدموا لهم ظلا وسط الظهيرة ، فيصير لهم الوقت كأنه ليل للراحة من شمس التجارب والضيقات ، وأن يستردوا المطرودين والهاربين إليهم بدون خداع ، فلا يسلموهم عبيدا للأعداء (إش 16 : 3 ، 4 ) .
يليق برجال يهوذا أن يحملوا مزا للسيد المسيح الملجأ الحقيقى ، فيفتحوا قلوبهم ومدنهم للهاربين ، ويستقبلوهم بإخلاص ، بهذا تعلن مملكة المسيح القائمة على كرسى الرحمة أبديا : " فيثبت الكرسى بالرحمة ، ويجلس عليه بالأمانة فى خيمة داود قاض ويطلب الحق ويبادر بالعدل " إش 16 : 5 .
هكذا يقدم لنا النبى نصا مسيانيا ، معلنا أن الكنيسة – خيمة داود – هى موضع النجاة ، يملك فيها المسيا ليجتذب الأمم إليه فيجدوا فيه الحق ويتمتعوا بالمراحم الإلهية ، مترنمين : " العدل والحق قاعدة كرسيك ، الرحمة والأمانة تتقدمان وجهك .. لأن الرب مجننا وقدوس إسرائيل ملكنا " مز 89 : 14 ، 18 .
( 2 ) الكبرياء محطم الإنسان
قدم إشعياء النبى المشورة الصالحة لموآب ، كما كشف لهم عن ضعفهم الروحى – الكبرياء – العائق عن قبول المشورة " قد سمعنا بكبرياء موآب المتكبرة جدا عظمتها وكبريائها وصلفها بطل افتخارها " إش 16 : 6 . لقد سمع النبى عن كبرياء الموآبيين وتشامخهم الزائد وكلماتهم الباطلة !
الكبرياء محطم للإنسان كما للأمم ، يحرم صاحبه من قبول المشورة الصالحة ، ويفقده التمتع بنعمة الله ورحمته .
( 3 ) ولولة على موآب
لم يسمع قادة موآب لصوت إشعياء النبى بسبب كبريائهم لهذا سقطوا تحت العقوبة واستحقوا الويلات التى يلاحظ فيها الآتى :
( أ ) حدوث ولولة شاملة : " لذلك تولول موآب على موآب كلها يولول " إش 16 : 7 ، إذ صارت الولولة سمة عامة فى كل موآب .
( ب ) شملت الولولة أكبر المدن مثل قير حارسة ( إش 16 : 7 ) التى ضربت ، وأيضا الحقول التى ذبلت كحقول حشبون وكرمة سبمة ويعزير ( إش 16 : 8 ، 9 ) ، شملت المدن والقرى ، المتعلمين والجهال ، الأغنياء والفقراء الخ ....
( جـ ) تحولت أفراح الحصاد إلى بكاء ونوح ( إش 16 : 10) .
( د ) انطلق الموآبيون إلى المرتفعة للصلاة فى هيكل الإله كموش بلا جدوى ( إش 16 : 12 )
( هـ ) تحدد ميعاد العقوبة بثلاث سنوات خلالها تنهار موآب أمام سنحاريب ملك أشور ، ويذل الموآبيين ويتحطم مجدهم ( إش 16 : 14 ) .
وسط هذه الصورة القاتمة يكشف إشعياء النبى عن جانبين مبهجين : الأول مشاركة النبى بنى موآب متاعبهم ، إذ يقول : " لذلك ترن أحشائى كعود من أجل موآب وبطنى من أجل قير حارس " إش 16 : 11 . لا تحتمل أحشاؤه الداخلية أن تنظر نفوسا متألمة حتى وإن كانت آلامها ثمرة خطاياها .
الجانب الثانى وجود بقية قليلة جدا وضعيفة للغاية ( إش 16 : 14 ) ، ففى القديم تمتعت راعوث الموآبية بالخلاص ، إذ جاءت تحتمى تحت ظل الله ، وفى العهد الجديد جاء الأمم إلى الإيمان ليتمتعوا بالحياة الجديدة فى المسيح يسوع .